دراساتصحيفة البعث

ملامح اختفاء الطبقة الوسطى في أوروبا

هيفاء علي

أثارت تصريحات القادة الأوروبيين، وعلى وجه الخصوص تصريحات ماكرون وجوزيب بوريل إزاء الأزمة الاقتصادية الراهنة، غضب المحللين الغربيين والرأي العام الغربي. وبحسب هؤلاء المحللين، عندما أعلن ماكرون عن نهاية الوفرة فهو يعلن عن نهاية العالم، ونهاية الليبرالية دون أن يدري. بكلماتهما هذه دفن ماكرون وبوريل النظام الليبرالي بعد التصريحات السريالية التي أدلى بها العديد من السياسيين الأوروبيين، ليتمّ قلب صفحة القرن العشرين.

لقد تمّ استغلال الصراع في أوكرانيا، وشيطنة روسيا ليكون بالفعل موت القرن العشرين الذي شهد ترسيخ الطبقة الوسطى، مع فكرة تطوير المجتمع، والرغبة في التعليم الجماهيري الذي يسمح بتحسين عام في ظروف المعيشة، ولكن كل هذا انتهى، ولم يعد له مكانه في العالم المعولم الذي يخوض الحرب من أجل البقاء.

في ألمانيا، أعلن شولتز أنه لن يكون هناك شيء كما كان من قبل، وأن الدوائر الاقتصادية مضطربة دون أن يشير إلى أن السبب هو العقوبات التي فرضها الأوروبيون أنفسهم ضد روسيا. لقد ارتفع سعر الغاز في أوروبا إلى أكثر من 3500 دولار لكل 1000 متر مكعب، وزادت تكلفته للأفراد والشركات، وبالتالي لن تنجو الاقتصادات من مثل هذه السياسة، حيث يتمّ اتخاذ إجراءات سخيفة، مثل فرض غرامات على المتاجر، ما يترك الباب مفتوحاً للاستغلال، ما يعني أن المجتمعات الأوربية تنزلق نحو الهاوية بسبب الخيارات السياسية الخاطئة التي يتمّ اتخاذها.

ويضيف المحللون أن نهاية الوفرة تعني أن الطبقة الوسطى لن يكون لديها وسائل العيش كما كانت قبل عام 2019، لسبب بسيط أنه لم يعد من الضروري الحفاظ عليها، بل إنها تأتي بنتائج عكسية، مع العلم أن الطبقة الوسطى، والشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، والحرف تشكل جميعها القاعدة الاجتماعية الوطنية.

من المؤكد أن جميع الإجراءات المعادية للاقتصاد، التي تمّ تبنيها في السنوات الأخيرة تعمل على تقويض وإخفاء الطبقة المتوسطة. في هذا المجتمع ذي الأسعار المنخفضة، يجب أن يختفي التعليم الجيد والجماعي، الذي كان السمة المميزة للقرن العشرين بعد أن جعل من الممكن تكوين هذه الطبقة المتوسطة القوية. وكل المعطيات تقود الى اليقين بعودة أوروبا إلى الوضع الذي كانت عليه قبل القرن العشرين، لكن بدون دول قومية، وبدون هذه السياسة الوطنية التي أعطت معنى لليبرالية. بمعنى أن هذا النظام الذي لا يحظى بشعبية، والذي تمّ بناؤه ضد السكان، لا يمكن الحفاظ عليه إلا عن طريق الإرهاب.

يؤكد المحللون أن الليبرالية السياسية، إلى جانب الليبرالية الاقتصادية، ماتت وتمّ استبعاد كل معارضة حقيقية، وشيطنتها واعتبارها هي العدو. والعلامة الفارقة لهذه “الحرية العالمية” هي العلم الأوكراني، الذي يغزو الدول الأوروبية، التي ليست في حالة حرب رسمية مع روسيا، لكن لا شيء أفضل من حرب سياسية-إعلامية لتوصيل كل هذا، حيث تنتشر الدعاية المعادية لروسيا في جميع وسائل الإعلام الغربية، بينما وضع القادة جميع الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن سياستهم على ظهر روسيا.

في الحقيقة، لا يريدون أي وجود لمعارضة سياسية وطنية بعد الآن، وإن وجدت فسوف يتمّ وصفها واتهامها بأنها “موالية لروسيا” وسرعان ما ستصبح عدواً للشعب. وبالنسبة لفرنسا، فليس لها مكان في هذه الرؤية للعالم، التي تتحقق أمام أعين العالم بأسره، بحسب المحللين.