ثقافةصحيفة البعث

سهرة مع أبي دعاس الحمداني ومسرح الغرفة

آصف إبراهيم

حاول عدد لابأس به من المسرحيين في العالم الاشتغال على شكل مسرح الحجرة أو الغرفة، كما درجت تسميته في المسرح العربي، دافعهم في ذلك يتباين بين بلد وآخر، فهو في أوروبا لا يتعدى كونه نوعاً من أنواع التجديد والتجريب يأخذ منحى طليعياً يهدف إلى تأمين حضور دائم للمسرح. في حين نجده في بعض البلدان العربية، ونحن في طليعتهم، ينتمي إلى المسرح الفقير الذي يشتغل عليه بعض المولعين بالأداء المسرحي كحالة فردية يتغلبون من خلالها على صعوبات تأمين المسرح والتمويل، وقد كان هناك تجارب عدة، منها للمخرجة نائلة الأطرش والدكتور سامر عمران عميد المعهد المسرحي سابقاً.

وكان مسرح الغرفة عُرف في النصف الأول من القرن الماضي مع الكاتب المسرحي الفرنسي جان تارديو الذي كتب نصوصاً قصيرة من فصل واحد بشخوص قليلة تلائم تلك الأماكن الضيّقة، ولهذا يمكن القول إن مسرح المونودراما هو الأكثر قرباً ومواءمة مع مسرح الغرفة كمسرح الشخص الواحد الذي يعتمد على توظيف الحشد الجماهيري أحياناً لخدمة رسالته عبر التعامل معه كعنصر مسرحي أساسي في العرض، ولعلّ هذا ما اشتغل عليه الفنان المسرحي تمام العواني صاحب التجربة الطويلة والخبرة العالية في فن الأداء المونودرامي في العرض الذي قدّمه أمس الثلاثاء في قاعة اتحاد الكتّاب العرب فرع حمص الضيقة، وحمل عنوان “سهرة مع أبي دعاس الحمداني”، هذا العنوان الذي لم يأتِ مجانياً بل لخّص جوهر العرض الذي يجمع بين المسرح والشعر في نبرة تهكمية من واقع منابر الشعر وتناسخ الشعراء والنصوص الشعرية، فهو يستحضر في العنوان الشاعر أبي فراس الحمداني، وعنوان مسرحية سعد الله ونوس سهرة مع أبي خليل القباني، لكن دون أن يخوض في تجربة أبي فراس الشعرية أو مسرح ونوس، وإنما سعى إلى خلق حالة تفاعلية ممتعة قوامها لعبة مسرحية عبثية بسيطة ومسلية لا أكثر، تميّزت بالخفة والارتجال الآني المباشر معتمداً على سرعة البديهة، والغنى المعرفي والاطلاع الواسع على ببليوغرافيا المشهد الشعري والثقافي عموماً في مدينة حمص، منتقداً تلميحاً سيطرة العلاقات الشخصية والشللية في تكوين المشهد الثقافي دون الاعتماد على الكفاءة والتميّز والحضور الغني والقيم الذي يغني ويحقق استقطاباً جماهيرياً.

لم يقدّم تمام العواني حكاية مسرحية متكاملة بنيوياً، بل أدى توليفة مرتجلة أبطالها شخصيات فاعلة بالمشهد الأدبي الحمصي وحاضرة بيننا في القاعة، أمثال المسرحي فرحان بلبل، والشاعر محمود نقشو، والشاعرة أميمة إبراهيم وغيرهم الكثير، ولو أراد العواني استحضار حكاية أبي دعاس الحمداني معهم جميعاً لاستغرق العرض ساعات طويلة.