مجلة البعث الأسبوعية

“مشروع التعليم للجميع”… 55حديقة مدرسية كان الأطفال مزارعوها

مادلين جليس

إزاء كل بناء يهدم، كانت هناك سواعد تبني وتعمر وترفع الأمل بالغد، وإزاء كل تدمير وخراب، كان هناك عمل دؤوب، وأيادٍ تترجم هذا العمل صوراً هي أجمل ماتكون لبلدٍ يستحق الأفضل من كل فردٍ فيه، فكيف إذا كان هذا العمل هو الزرع والغرس، وكيف إذا حصدنا نتائجه في ابتسامات أطفالنا، وحبّهم للتعاون والعمل، وتعليمهم بالطريقة المثلى!.

في الصور التي أمامنا تجسيد واضح لهذا العمل المبني على الأمل، العمل المعقود بالإرادة، تحت عنوان “مشروع التعليم للجميع” من خلال إنشاء الحدائق المدرسية بالتعاون بين منظمة الأغذية والزراعة FAO ووزارة الزراعة والهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية.

تكاتف مثمر

ولا نبالغ إذا قلنا أن المشروع الذي سنشرح لكم تفاصيله كان حصيلة تكاتف مثمر وتعاون بنّاء على مختلف الأصعدة.

وفي التفاصيل.. قامت منظمة الأغذية والزراعة “الفاو” من خلال التعاون بين الشركاء (الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، ومديرية زراعة ريف دمشق) وبدعم من الحكومة اليابانية، على إنجاز المرحلة الأولى من مشروع التعليم للجميع، من خلال إنشاء الحديقة المدرسية لتعليم الأطفال في المدارس الابتدائية على أهمية التغذية الصحية التي تدعم نموهم من أجل مستقبل أفضل.

وقد اختيرت المدارس مسبقاً من قبل منظمة اليونيسيف ووزارة التربية، بحسب ما أكّد الدكتور أيمن حجازي المهندس التنفيذي للمشروع، والذي أشرف على اكتماله منذ لحظة التخطيط، إلى التنفيذ ونجاح الفكرة.

وأشار حجازي أن منظمة الأغذية والزراعة قامت وبالمشاركة مع الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية ومديرية زراعة ريف دمشق بإعداد الدراسات اللازمة لإنشاء تلك الحدائق.

أما الهيئة العامة للبحوث العلمية الزراعية، فتمثّل دورها بدراسة المصدر المائي اللازم لتأمين المياه لري الحديقة وتصميم شبكات الري والإشراف على تنفيذ شبكات الري بالتنقيط ونظام الطاقة الشمسية اللازمة لتشغيل مضخة الشبكة، ونظام حصاد مياه الأمطار.

كما قامت مديرية الزراعة بريف دمشق، بإعداد وتجهيز دراسة العمليات الزراعية بدءاً من الزراعة إلى حصاد الخضراوات المزروعة والإشراف عليها.

مكونات المشروع

استند المشروع إلى خمسة مكونات أساسية، أولها المكون مائي: حيث أنه لابد من تأمين مصدر لمياه ري الحديقة، يراعي الحفاظ على الموارد المائية الطبيعية وتقليل الطلب على الموارد المائية العذبة وترشيد استخدام المياه من خلال استخدام طرق الري الموضعي “التنقيط”، والمكون تربوي، من خلال التوعية لأهمية الحديقة المدرسية ودورها في الأمن الغذائي والتغذية الصحية للأطفال، عبر توجيه الأطفال لأهمية الزراعة المستدامة بتعليمهم الحفاظ على الموارد المائية الطبيعية من خلال تقليل الطلب على الموارد المائية العذبة واستخدام الموارد المائية غبر التقليدية.

إضافة إلى المكون الزراعي من خلال مشاركة الأطفال في المدارس الابتدائية المستهدفة في كافة مراحل إنشاء الحديقة والعمليات الزراعية من الزراعة وحتى جني المحصول  المخصص لهم.

ولا ننسى المكون التعليمي الذي يعتمد على تدريب وتوجيه المدرسين والأهالي والأطفال على العمليات الزراعية الصحيحة وزراعة الشتول والتسميد والحصاد والري، إضافة إلى توجيه اهتمام الطفل لإعادة استخدام موارد مائية غير تقليدية (حصاد مياه الأمطار– المياه الرمادية المعالجة).

تنمية مستدامة 

الملفت في المشروع هو تحقيقه لأهداف التنمية المستدامة، فقد سعى في كل جزء من أجزائه على تقديم مخرج تنموي فاعل، كان أولها: الزراعة المنزلية كمورد للدخل، حيث أن الزراعة المدرسية تسهم في تعليم الطلاب وأهالي الطلاب بالاعتماد على الزراعة المنزلية لتأمين احتياجاتهم اليومية أو البدء بمشروع يعمل فيه أفراد الأسرة بغية تحقيق دخل إضافي للقضاء على الفقر وهو ما يدخل ضمن الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة.

أما الهدف الثاني للمشروع فهو الأمن الغذائي، فأهمية الزراعة المدرسية والمنزلية تكمن في دورها في تحقيق الأمن الغذائي للمجتمعات المحلية وهو الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة.

الهدف الثالث هو الحفاظ على الموارد الطبيعية من خلال التوعية لأهمية الحفاظ على هذه الموارد ولاسيما الموارد المائية من خلال تقليل الطلب على المياه العذبة، ويندرج ضمنه الري الموضعي، وهو الهدف الرابع للمشروع من خلال ترشيد استخدام مياه الري، ونشر ثقافة الري الموضعي لرفع كفاءة استخدام المياه، من خلال ري الحديقة بشبكة ري بالتنقيط، أما الهدف الخامس فيتمثل في نشر ثقافة استخدام الموارد المائية غير التقليدية من خلال استخدام تقنية حصاد مياه الأمطار، ومعايير الاستخدام السليم لهذه النوعية من المياه بعد فلترتها، وهذه الأهداف الثلاثة تندرج ضمن الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة.

الهدف السادس والأخير هو التوعية لاستخدام الطاقة البديلة المتجددة في تشغيل شبكة الري العاملة على الطاقة الشمسية، وهو أيضاً من أهداف التنمية المستدامة، الهدف السابع منها.

مخرجات المشروع

لم يكن المشروع حبراً على ورق، وكلاماً لايتعدى الخطط، بل استطاع تحقيق نجاح باهر في المدارس التي شملها، والتي كانت في المرحلة الأولى لتنفيذه 13 مدرسة، لكنها وصلت اليوم إلى 55 مدرسة في كل من أرياف حمص وحماه ودمشق وحلب، وفي طريقها لباقي المحافظات السورية لتعميم فكرة المشروع وإشراك أطفال سورية كلهم في حدائقهم المدرسية.

ولعل المخرج الأهم الذي لابد لنا من الإضاءة عليه، هو إشراك الأطفال في مراحل التنفيذ، وتعليمهم كما أشرنا سابقاً في الزرع والسقاية والعناية، إضافة إلى الحصاد وجني المحصول، وهو ما رسم البهجة في عيونهم، وغرس فيهم حب العمل والتعلم في آن واحد.

لكن وإضافة لذلك فقد استطاع المشرفون على المشروع إقامة دورات وبرامج تدريبية للمدارس المستهدفة (35 مدرسة) بواسطة خبراء مختصين لكل من المعلمين والطلاب وأفراد العائلة وطلاب المدارس الزراعية في محافظتي ريف دمشق وحلب بالتنسيق مع الفريق التقني من الفاو.