اقتصادصحيفة البعث

ما جدوى الإدارة المحلية؟

علي عبود

قبل بدء انتخابات مجالس الإدارة المحلية كان السؤال المطروح خلال الدورة السابقة وسيستمر خلال الدورة الجديدة: ماجدوى الإدارة المحلية؟

لقد حدد القانون مهام مجالس المحافظات ومجالس المدن بدقة، معززاً اللامركزية الإدارية بدقة، لكن كان السؤال ولا يزال وسيستمر على لسان كل مواطن: ماذا استفدت من اللامركزية؟

ليس مهما بالنسبة للناس عملية الانتخابات بحد ذاتها، وإنما ما يقدمه ممثلوهم إلى المجالس المحلية من خدمات تنعكس على حياتهم اليومية، والسؤال سيبقى مطروحاً مع انتهاء كل دورة انتحابية: هل ساهمت المجالس المحلية بحل أزمات الناس أم انشغلت بتأمين مصالحها الخاصة؟

لنأخذ مجلس محافظة دمشق خلال دوراته السابقة كمثال على إحباط الناس من الإدارة المحلية، فقد أخفق هذا المجلس بحل أزمة النقل لأنه لم يكن على مستوى مسؤولية اتخاذ قرار بتنفيذ مشروع “التاكسي سرفيس”، هذا المشروع يعني وضع ما يوازي أكثر من 2000 باص في الخدمة!

لقد انشغل مجلس محافظة دمشق بأمور هامشية بالنسبة، وتميزت جلساته بالكلام الكثير والأفعال القليلة والنادرة، ولم يُقصّر بانتقاد أداء المؤسسات الحكومية الأخرى، في حين كان مقصراً جداً بإيجاد الحلول لأهم مشكلات المناطق والأحياء التي تعاني يومياً جراء عدم اتخاذ القرارات المناسبة.

لقد سمعنا خلال الأسايبع الأخيرة الكثير من النصائح للناخبين من قبيل: اختاروا المرشحين الذين يتمتعون بالخبرة والكفاءة والنزاهة، لكن نادراً ما جرى التركيز على العنصر الأهم وهو القدرة على اتخاذ القرار، فلا فائدة على الإطلاق من أعضاء في المجالس المحلية يتمتع معظمهم بالتجربة والخبرة والكفاءة والنزاهة لكنهم لا يملكون الجرأة على اتخاذ قرار يحل أزمة خانقة كالنقل في مدينة دمشق، أو بتنظيم عمل أسواق الهال التي يتحكم تجارها بالأسواق والأسعار.. إلخ!!

وبما أن المحافظ هو رأس هرم المجالس المحلية، فإنه يتحمل مسؤولية أي تقصير في عملها، وليس مهماً على الإطلاق أن يقوم المحافظ بجولات على المناطق والأحياء ويستمع إلى الناس ويخصص لهم وقتاً للاستماع إلى مطالبهم وما يتعرضون له من معاناة، فالأهم أن يكون صاحب قرار!

ما من محافظ لدمشق على مر السنوات السابقة إلا وشدد على هدم المخالفات وإزالة إشغالات الطرقات والأرصفة، ولم يتساءل أي محافظ: لماذا يضطر الناس لإشادة مسكن مخالف أو للعمل على بسطة أو كشك صغير؟

نعم، من أهم مهام المحافظين استثمار عقارات الدولة في محافظاتهم لخلق فرص عمل للعاطلين، وبناء مناطق سكنية نظامية بدلاً من المخالفة.. فهل هذه مهمة مستحيلة؟

في تسعينيات القرن الماضي، عرضت شركة مقاولات عربية مشروعاً ينهي مناطق المخالفات، يتضمن هدمها وبناء ضواح سكنية حديثة بدلاً عنها مع أسواق وحدائق، وتخصيص سكانها بشقق مجانية، لكن المحافظ آنذاك تهيّب من المشروع، ولم يمتلك جرأة إقناع مجلس الوزراء بتبنيه على الرغم من كونه لا يكلف خزينة الدولة قرشاً واحداً.

والأمر لايختلف بالنسبة للمجالس المحلية في الأرياف، فإذا لم تؤمّن هذه المجالس للناس الخدمات الأساسية من نقل ومياه وطرقات زراعية، فما جدواها مهما كان أعضاؤها يتمتعون بالخبرة والكفاءة والنزاهة، فالأساس كان وسيبقى قدرة المجالس على اتخاذ القرارات المناسبة لخدمة الناس!

تصوروا أن مناطق سكنية كبيرة وحديثة في دمشق كتوسع ضاحية الشام الجديدة لم تحظ باهتمام أي محافظ ولا رئيس بلدية منذ 15 عاماً، ولم يوافق أي محافظ على تخصيصها بقليل من الزفت لطرقاتها المحفرة أو بباص لنقل سكانها إلى أعمالهم!!

الخلاصة: الجانب المهم جداً في انتخابات الإدارة المحلية هي قرار الناس من خلال صناديق الإقتراع بإقصاء من قصّر في خدمتهم، وإذا لم يفعلوها بالأمس فلن يحق لهم في القادم من السنوات طرح السؤال: ما جدوى المجالس المحلية؟