Uncategorizedثقافةصحيفة البعث

“عندما اكتمل القمر”.. في أيام “سينما المقاومة”

ملده شويكاني 

لم تكن صورة الهلال المختفي تارة خلف الغيوم السابحة والظاهر حيناً لجمالية التأثير البصري فقط في الفيلم الإيراني “عندما اكتمل القمر” سيناريو وإخراج نرجس أيبار، الذي عُرض قبل اليوم الأخير من أيام سينما المقاومة في دار الأوبرا، وإنما حمل برمزية حكاية الفيلم التي اكتملت حينما أصبح القمر بدراً، مع حبات عقد اللؤلؤ التي فُرطت وسقطت على الأرض قبل مشهد قتل حميد زوجته فائزة.

الفيلم يسردُ أحداثاً حقيقية وقعت واستمدت من السيرة الذاتية للإرهابي عبد المالك ريجي الذي انجرف إلى القاعدة وتأثر بفكرها التكفيري ليتركها ويؤسّس جماعات جند الله، ويسحب شقيقه حميد إلى جماعته رغم أنه كان مسالماً ويحاول الهجرة إلى إنكلترا مع زوجته فائزة وطفلهما سعيد، لكنه لم يستطع الإفلات من قبضة أخيه ليصبح مع الأيام أداة من أدواته رغم الصراع الداخلي الذي يعيشه. المحور الأساسي بالفيلم هو قتل الشقيقين شهاب وفائزة بذريعة أنهما يقومان بالتجسّس عليهم لمصلحة إيران.

وقد أظهر الفيلم قوة المقاومة الإيرانية في القضاء على الإرهاب وتتبع تحركات الإرهابيين في مشاهد مفصلية، فجمع بين العاطفة والاشتياق والخوف والرعب والترقب على مدى ساعتين وعشر دقائق، وظّفتها المخرجة نرجس أيبار بكلّ دقة وحرفية بتصوير تفاصيل دقيقة شغلت فضاء الصورة.

الممرات الصحراوية

وتنقلت الكاميرا بين إيران وباكستان وأماكن قبائل البلوش التي يحاربها عبد المالك، فمن منزل عائلة حميد الكبير والطقوس الاجتماعية المألوفة بالزواج والاحتفال بالمولود والعزف على الآلات الموسيقية التقليدية الإيرانية إلى أسواقها ومعالمها، ومن ثم انتقال الكاميرا إلى باكستان والمنزل الكبير الذي اتضح فيما بعد أنه منزل عبد المالك، إلى أسواق باكستان وأحيائها الشعبية التي تعمّ فيها الفوضى والقمامة، لتتوغل بجغرافيتها الجبلية والصحراوية وصولاً إلى تجمع الإرهابيين، واشتغال المخرجة على التركيز على مراحل تنفيذ العمليات الإرهابية وتحميل المتفجرات من خلال الممرات الصحراوية.

الاستباق والاسترجاع 

تميّز الفيلم بالأداء اللافت للممثلة الإيرانية إلنار شكردوست -فائزة- كما اعتمدت المخرجة على الاستباق في بعض المشاهد التي بدت غير مفهومة في السياق الدرامي بداية، ليتضح دورها فيما بعد مثل مشهد محاولة اغتيال عبد المالك، ومشهد اعتراف عبد المالك بسبب قتل شهاب لأخيه حميد، ومشهد محاولة الضابط الإيراني تهريب فائزة من المشفى وإنقاذ حياتها.

الوالدة غيمناز -الممثلة فيريشته صدر عرفاني- التي فقدت ثلاثة من أبنائها لانتمائهم إلى القاعدة أخذت دور السارد بصمت الرافض فكر القاعدة، إلا أنها لا تقوى على شيء، ورغم ذلك حاولت تهريب فائزة وإنقاذها لكن دون جدوى.

الهلال والحب 

يبدأ الفيلم بحكاية حب بين حميد وفائزة تكلّلت بالزواج والفرح بمشاهد رومانسية على شاطئ البحر والقارب واللعب بالطين دلالة على الهلال، ليأتي المشهد المريب باستجواب الضابط الإيراني حميد وسؤاله عن أخيه عبد المالك، ومن ثم اقتحام الشرطة منزل العائلة في إيران والعثور على كميات كبيرة من السلاح واعتراف الأخ الثالث بحيازتها. فتشعر فائزة بالخوف وتطلب من حميد متابعة إجراءات الهجرة، في الوقت الذي تنتقل فيه العائلة إلى باكستان بناءً على أمر عبد المالك، ودون أن تعلم فائزة الحقيقة يطلبها زوجها لمتابعة إجراءات الهجرة فيرافقها شقيقها شهاب المولع بالسينما.

تجنيد الطفل 

في المنزل الكبير في باكستان تتكرّر مشاهد الاقتحام من قبل رجال عبد المالك وتكتشف فائزة سرّ زوجها بالالتحاق بالجماعات الإرهابية وبأخيه، تحاول الهرب بمساعدة الوالدة لكن رجال عبد المالك يعيدونها عنوة، فينتقم منها عبد المالك بأخذ الطفل سعيد ليربيه على الإرهاب ويحضر له الأسلحة ليلعب بها بدلاً من الألعاب.

الحدث الفاصل باتصال فائزة بشقيقها شهاب من السوق وإعلامه بالحقيقة من محل الجزار، المشهد الذي تكرّر في الفيلم إيماءة إلى قسوة الإرهابيين وذبحهم الأبرياء.

الذبح بالسكين 

يتعرّض شهاب للخطف ويساق إلى عبد المالك ليأتي المشهد المرعب والمؤثر حينما يطلب منه الاعتراف بأنه جاسوس لمصلحة إيران، وبأنه يمثل هذا المشهد مقابل موافقة عبد المالك على هجرة فائزة وحميد وإطلاق سراحه. وتبدو قسوة عبد المالك في اتصاله بوالدة شهاب لمتابعة مقابلة مع ابنها على قناة العربية خلال نشرة الأخبار، وفي وقت تحتفي أم شهاب بهذا الحدث مع المقربين ويتناولون الطعام ترى المشهد المرعب الذي يبدأ باعتراف شهاب وهو مكبل ثم ذبحه بالسكين فتنهار بصراخها الدامي.

ولم يكتفِ عبد المالك بذلك بذريعة أن شهاب كان ذاهباً للقنصلية للإبلاغ عنهم بناء على مراقبة مكالماته، يأمر حميد بقتل فائزة فيتهرب بذريعة أنها حامل بتوءم.

في المشفى يتضح المشهد، إذ تتذكر فائزة أن الرجل الذي يساعدها على الهرب هو الضابط الإيراني الذي استجوب زوجها، ويعترف لها بأنه كان سيقتل عبد المالك بطريقة القنص بعد مراقبته الدقيقة لكنه كان يحمل طفلاً فلم يستطع أن يضغط على الزناد.

الرصاصة والوسادة 

في المشهد الأخير تدرك الوالدة أن حميد سينفّذ أمر عبد المالك، فيؤكد لها أنه لن يفعل، وفي مشهد مؤثر”لماذا أنت شاحبة؟” يجملها بوضع المساحيق على وجهها بكل رقة ويقدم لها عقد اللؤلؤ، وبعد مواجهتها له بقتل شهاب يغادر الغرفة.

تترك المخرجة لحظات للمشاهد ليعتقد بأنه تراجع عن فكرة القتل، لكن حينما يكتمل البدر في الليلة المعتمة تكون فائزة نائمة فيطلق الرصاصة على الوسادة البيضاء برمزية إلى قتلها وقتل الأبرياء.

الإعدام

حفل الفيلم بإيماءات كثيرة تدلّ على نبذ الإرهاب مثل مشهد رفض سعيد توجيه القذيفة وهو على يدي عبد المالك، والمشهد الأخير بظهور الوالدة وحيدة تحمل الطفلين التوءم وتمضي مع سيارة عابرة. ليكتب على الشاشة بأنه في عام 2009 تمّ إلقاء القبض على الأخوين ريجي عبد المالك وحميد من قبل المخابرات الإيرانية وتم إعدامهما.