دراساتصحيفة البعث

ينابيع المعجزة الصينية

هيفاء علي

يشرح الكاتب وعالم السياسة برينو غيغ، المتخصّص في الصين والعلاقات الدولية، ينابيع المعجزة الاقتصادية الصينية، التي بدأت منذ الحقبة الماوية عندما شهدت البلاد نمواً قوياً، والتي تسارعت بقوة من العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وذلك خلال مقابلة أجراها معه موقع مجلة “أفريقيا- آسيا”.

ورداً على سؤال يتعلق بمراحل التقدم الاقتصادي الكبير الذي حقّقته الصين في أوائل الثمانينات، أشار غيغ إلى أن البلاد شهدت نمواً قوياً منذ الحقبة الماوية، وتسارع في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. في عام 1949، كانت البلاد فقيرة دمرتها الحرب والفوضى، وكان لدى السكان أدنى مستوى من المعيشة على هذا الكوكب، وكان متوسط ​​العمر المتوقع 36 عاماً، و85 ٪ من الصينيين لا يستطيعون القراءة أو الكتابة. وفي عام 2022، بات الاقتصاد الصيني يمثل 18٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في تعادل القوة الشرائية، وتجاوز الاقتصاد الأمريكي في عام 2014، كما باتت الصين هي القوة المصدرة الرائدة في العالم، صناعتها ضعف صناعة الولايات المتحدة وأربعة أضعاف صناعة اليابان، وهي الشريك التجاري الرائد لـ 130 دولة، وقد ساهمت في 30٪ من النمو العالمي على مدى السنوات العشر الماضية. ومع 400 مليون شخص، تعدّ الطبقات الوسطى الصينية الأكبر في العالم، وقد أدى هذا التطور الاقتصادي إلى تحسين الظروف المعيشية المادية للصينيين بشكل كبير، حيث ارتفع متوسط ​​العمر المتوقع من 36 إلى 64 عاماً تحت حكم ماو. والأهم من ذلك، انخفض معدل الفقر، وفقاً للبنك الدولي، خلال عشرين عاماً حين تمّ انتشال 700 مليون شخص من الفقر.

وحول نجاح الصين المبهر في القضاء على وباء كورونا، لفت الكاتب إلى انه إذا نجحت الصين في حماية سكانها، فذلك لأن السلطات سرعان ما اتخذت مقياس الظاهرة، ورفضت التحكيم بين إنقاذ الأرواح وإنقاذ نقاط النمو. وبالطبع، مثل جميع الاستراتيجيات، فإن إستراتيجية “صفر كورونا” ستستنفد آثارها في النهاية، وسيتعين النظر بجدية في الخطوة التالية. هذا ما يفعله الصينيون اليوم، الذين يفكرون في الاسترخاء التدريجي للنظام الصحي.

من جهة أخرى، ورداً على سؤال يتعلق بزيارة بيلوسي الاستفزازية إلى تايوان، وردّ فعل السلطات الصينية على تلك الزيارة، لفت غيغ إلى أن السلطات الصينية أثارت الدهشة برفضها الوقوع في الفخ الذي نصبته زيارة السيناتور نانسي بيلوسي إلى تايوان، معتبراً أن رد فعل بكين على هذا الاستفزاز الجسيم من قبل المتعصبين في الكونغرس كان واضحاً في ثباتها ومهارتها. وبسيطرتها على المجال البحري والجوي للجزيرة الانفصالية، تذكر الحكومة الصينية ما هو واضح: المياه الإقليمية والمجال الجوي لتايوان موجودان فقط في خيال الانفصاليين وحمايتهم، لأن الجزيرة مقاطعة صينية، ولا شيء آخر. إضافة إلى ذلك، يجب عدم نسيان أن الإستراتيجية الصينية، عندما تتعرض البلاد للهجوم، تهدف دائماً إلى إظهار الإمبرياليين على حقيقتهم، أي “النمور الورقية”، على حدّ تعبير ماو.

ومن ثم أوضح غيغ في معرض ردّه على سؤال بخصوص اضطراب العالم الغربي بسبب عدائه تجاه الصين، وسبب هذا العداء غير المبرر، أنه إذا كانت الدول الغربية شديدة الوقاحة، فذلك لأنها ترى أن أسس تفوقها تنهار. وبعد أن سيطر على العالم لمدة قرنين من الزمن، أدرك الغرب المذهول أنه سيتعيّن عليه تسليم زمام الأمور. كان يعتقد أنه سيصمد في الجنوب لمدة قرن أو قرنين آخرين، لكن التاريخ يتسارع. يعيش الصينيون أعماراً أطول من الأمريكيين، ومجتمعهم أكثر تماسكاً وتسامحاً، وبينما تبحر السفن الحربية الأمريكية قبالة سواحل الصين، يبني الصينيون السكك الحديدية والطرق السريعة والموانئ والمستشفيات في الداخل والخارج. من جهة أخرى، بالنسبة لدولة تسمي نفسها ديمقراطية، فإن هذا ليس عبقرية، لأنه في الصين لا يبدو أن لدى الشرطة عادة إطلاق النار على المواطنين بسبب “رفض الامتثال”.

عند مقارنة الصين بالولايات المتحدة، سيكون التناقض مذهلاً، وفيما يتعلق بمسألة حقوق الإنسان كما هو الحال في العديد من الموضوعات، فقد حان الوقت للعالم الغربي كي يعترف بانتهاكاته الصارخة لحقوق الإنسان في مناطق كثيرة من العالم وفي عقر داره، بحسب غيغ.