ثقافةصحيفة البعث

ناقدان.. و”ناقد و15 شاعراً”

نجوى صليبه

لن أجزم وأقول إنّ مقالاتي النّاقدة لبعض ما يجري في الوسط الثّقافي من مجاملات ورياء ونفاق، ولاسيّما في حفلات توقيع الكتب، قد أتت أكلها، لكن سأقول إنّ لها أثرها الطّيب الذي يصلني خلال مناقشاتي مع الأصدقاء والزّملاء الأدباء والإعلاميين وجهاً لوجه لا على الأزرق “فيسبوك” فحسب، وتأييدهم لها ونشرها أيضاً. مناسبة حديثنا هو أنّنا صرنا نحضر قراءات نقدية حقيقية في النّدوات الأدبية، المقامة في المراكز الثّقافية، بعيدة عن المجاملات والإطراء والخجل من كون المُحتفى به صديقاً أو قريباً أو ربّما زميلاً، آخرها النّدوة التي أقيمت بمناسبة حفل توقيع كتاب “ناقد وخمسة عشر شاعراً” للأديب والنّاقد الدّكتور عبد الله الشّاهر الصّادر عن اتّحاد الكتّاب العرب، والمتضمّن دراسات نقدية لتجارب شعرية مختلفة هي: أمل محسن مناور، وأيمن أبو شعر، وبديع صقور، ورنا صالح الصدقة، ورنا العسلي، وزهدي خليل، وسعاد محمد، وسليمان السّلمان، وسمر ياغي، ومحمد عيسى، ومحمد كنايسي، ومحمد خالد الخضر، ومحمد سعيد العتيق، ومرتضى قاسم العذبة، ونزار بريك هنيدي.

وبعيداً عن الصّداقة والزّمالة الأكاديمية والأدبية، ابتدأ الدّكتور أحمد علي محمد قراءته بالحديث عن صعوبة النّقد وطبيعة العلاقة بين النّاقد والشّاعر، يقول: أمدح إيجابيات كثيرة بيني وبين صديقي، وأمسك عن ذلك أمامكم. لقد جرت العادة على أن تكون العلاقة بين النّاقد والشّاعر متوترة، ومردّ ذلك إلى أنّ لكلّ منهما أدواته، ومن أنّ الشّاعر يظنّ أنّ النّاقد لا يملك إلّا عيناً واحدة وهي سلبية فقط، مبيناً: جمع النّاقد بين دفتي هذا الكتاب تجارب شعرية متباينة المستوى، من دون ذكر أسباب اختياره لها، مع العلم أنّ أي عمل نقديّ يجب أن يكون مسوّغاً، وأعدّ هذا ذكاءً وإشارةً ألمعية، موضحاً: هي تجارب غضّة لم تختبرها الحياة، لقد قرأت الكثير من النّصوص ووجدت أنّ بعضها لا علاقة له بالثّقافة الأدبية، ولا ألوم الشّاهر هنا لأنّ هذه التّجارب موجودة، وبذكاء قدّمها قائلاً: هذا هو المشهد الشّعري الآن.. فهل يختلق تجارب من العدم؟.. طبعاً هذا لا يعني أنّه غفل عن مواطن الشّفافية، وهنا يكمن الذّوق كحكم ويكمن الذّكاء النّقدي ومعرفة كيفية الدّخول إلى النّص.

ويتحدّث محمد حول أهمية التّصنيف ها هنا: النّاقد رتّب التّجارب هجائياً، لكن لابدّ من وسيلة للتّصنيف لأنّ أحكاماً لا قيمة لها من دون تصينف، ومن فوائد التّصنيف إرشاد القارئ ضمن سياق ما للجودة أم عدمها، وفي هذا نوع من التّشاركية، إذ أنّ النّاقد يشرك القارئ في عمله حتى يدرك أن هذا النّص جاء في هذا الموضع للأسباب التي يقدّمها.

بدورها، تولّت الدّكتورة لارا ستيتة الحديث حول إيجابيات الكتاب، منوّهة بعدم وجود عمل متكامل أو من دون أخطاء قرائية وتباينات منهجية، ومبينةً أنّ الكتاب عصارة فكر وثقافة وأحساسيس انبثقت من رؤى ناضجة أدلى بها النّاقد بشفافية وجمالية، وأنّه نسيج ملوّن ومحاولة للإحاطة بتجارب متنوّعة لشعراء سوريين وعرب، تقول: نحن أمام محاولة أكاديمية لإسقاط تجارب متنوعة في سياقات وأنساق متنوعة.. الألم والحبّ سمتان من سمات انتقاء القصائد في المؤلَّف الذي امتدّ على 210 صفحات، موضّحةً: تتعدّد طرق الدّراسة، فحيناً يدرس الحقول الدّلالية وحيناً الأنسنة وحيناً الميزات البنيوية النّصية، لكن ضمن متفرّقات مبعثرة لها جمالية الحضور والانتقاء العفوي، كما جعل لكلّ دراسة خاتمة ضمّنها الميزة الأكثر أهمية التي اتّسمت بها التّجربة، واشتركت القراءات بحقلٍ معجمي جمعته جزئيات مطابقة، مفصحاً عن أدوات تعبيرية شتّى جلّى من خلالها المشاعر والعاطفة وتعمّق في الاستعارة، ومضيفةً: النّقد هو إبداع الإبداع وحسب الإنسان أن يسعى.. العنوان يوحي بحوار بين العقول ولاسيّما أنّه جسده بأربعة ألوان تضعنا أمام تحليلين، الأوّل هو أنّه يريد أن يعقد سلاماً بين الشّاعر والنّاقد، والثّاني الفصل بينهما.. لا نزعم أنّه قبض على حقيقة النّصوص كلّها، لكنّه بلور إمكانية ما لتفسيرها.

وبشفافية ومصداقية، تقبّل الدّكتور عبد الله الشّاهر آراء زملائه النّقدية السّلبية منها والإيجابية، موضحاً بعض النّقاط بالقول: طرح الدّكتور أحمد نقاطاً منهجيةً في النّقد، ومع الأسف أنّ جامعاتنا إلى يومنا هذا توقفت عند محمد مندور، وأنا في مؤتمر النّقد الأوّل الذي دعت إليه الجامعة اللبنانية قلت بحضور ممثلي كلّ الجامعات العربية إنّنا لا نملك نظرية نقدية، وإنّ محمد مندور الوحيد الذي كان قد بدأ بمشروع نقدي لم يكمله أحد، وأنّ الجامعات العربية كاملةً ساهمت في قتل العقول، لذلك نجد طالب ماجستير أو دكتوراه لا يجرؤ على الإتيان بجديد لأنّ الدّكتور المشرف يريد منه أن يكون نسخةً عنه، مضيفاً: النّقد قراءة تفكيكية، وبالتّالي قد لا تعجب الجميع، في هذا الكتاب أعطيت ترتيباً هجائياً وذكرت أنّي أضأت إضاءةً، علماً أنّ هناك تجارب كبيرة يمكن النّظر إليها على أنّها تشكّل مشروع دراسة مستقبلية لشخصية متفردة.. بعض الشّعراء الذين لم ترد تجاربهم في هذا الكتاب اتّصلوا معاتبين قائلين إنّهم الأفضل، والبعض اتّصل قائلاً إنّ فلاناً أكثر أهميةً من فلان، لكن أنا أمامي نصّ مكتوب ورأي نقدي إمّا تقبله أو ترفضه.