مجلة البعث الأسبوعية

“كتاب اللباد” جمع الخرافات، في كتاب وهمي، وهو من اختراع النساء

 

فيصل خرتش

ما زالت سوق الخرافات رائجة إلى يومنا هذا، من ذلك (التفليك) في فنجان القهوة، وتعليق حدوة الحصان فوق باب البيت، أو في مكان بارز من الدكان أو الدار، وذلك يكون دفعاَ لأذى العين الحاسدة، وإذا سأل سائل مستوضحاَ عن تفسير علمي أو منطقي، فيقال له: إنها من (كتاب اللباد) ويقصدون من ذلك أن هذه الخرافات من اختراع النساء، ومدونة في كتاب وهمي يدعى بدفتر النسوان، ويضيفون بأن هذا الدفتر لا يمكن جمعه أو العثور عليه كاملاَ لكثرة مواده وتنوَع أبوابه، ويروون أن وزيراَ حاول جمعه فباءت جهوده بالفشل، وكانت أمي تحدَثنا بشيء من هذا الدفتر، عن الجنَ والشياطين التي تظهر للإنسان في الفلاة أو تظهر للنساء في الحمامات، فيأخذونها عروساَ لابن ملك الجان، ثمَ يعيدونها عند الصباح.

وكانت أمي تجيد فن صياغة الحكايات، فتروي لنا بعض القصص من ألف ليلة وليلة، رغم أنها أمية، لم تتعلم القراءة والكتابة، وكانت تقصَ علينا قصص الملوك والأمراء، وكيف أحب هذا الأمير واحدة من صفوف الشعب، أو كيف تآمرت زوجة الملك عليه، لتسند الحكم إلى عشيقها، إلخ.

وكانت (القرينة) شائعة بين النساء، ويعتقدن بها، فلكل امرأة قرينة، ومعظم الأمهات كن يسردن حوادث غريبة عن القرينة ويؤيدنها بالوقائع والإثباتات، فهذه أقدمت قرينتها على خنق طفلها الوليد، وهذه هددتها قرينتها بخطف طفلها، ولم تمض عدة أيام وإذا بالطفل جثة هامدة، وهذه سمعت صراخ طفلها النائم، فتركت ما بيدها وتوجهت إليه، فوجدت وجهه ممزقاَ بأظافر حادة ومغطى بالدم، أما من كانت تزعم أنها لم تشعر يوماَ بوجود قرينة لها فكانت تعد من السعيدات.

أمهات كثيرات لجأن إلى وضع التعاويذ أو الذخائر أو الحجاب في أعناق أطفالهن دفعاَ لأذى القرينة، بعض الأمهات كن يجزمن بأن على الأم أن تضع تحت وسادة نومها شيئاَ حاداَ، كالسكين أو المقص، وبهذا تبعد القرينة عن بيتها، فالقرينة لا تظهر إلا في الليل، وشكلها يختلف من أم إلى أخرى، فقد تكون بشكل حيوان أو طير، أو امرأة أخرى.

ومن الصور التي لها علاقة بالأطفال، ظهور علامة فارقة في بعض أنحاء جسم الطفل، في اليد مثلاَ أو الوجه أو البطن، وتظلَ هذه العلامة ظاهرة واضحة العمر كله، كعلامة التوتة أو الباذنجانة أو الخوخة، وكانوا يسمون هذه العلامة (شهوة)، وسبب ظهورها أن الأم الحامل إذا اشتهت على فاكهة ما، كالتوت مثلاَ، ولم تحصل عليها فوراَ، وحكَت مكان ما في جسدها، خدها أو يدها، فإنَ علامة التوت تظهر في جسد الوليد، في ذات المكان الذي حكَت فيه، وكانوا ينصحون المرأة الحامل، بأن تقرص لحم بطنها حالاَ عندما تشتهي على فاكهة ما، وتمتنع عن حكَ جلدها، كي تحول دون ظهور للشهوة في جسم الجنين.

يجرنا الحديث إلى التكلم عن تأثير العين، فكثير من الناس إذا ما أصابهم ضرر أو مكروه ما، عزوه إلى العين الحاسدة، ولهذا كثرت الأمثال والأقوال التي تناولت هذا الموضوع، كقولهم: ـ عين الحاسد تبلى بالعمى- الحسود لا يسود.

ورسموا على المركبات وسواها عيناَ مطعونة بسهم، بعض الناس إذا أصابهم صداع شديد، أو شعروا بمرض، كانوا يذهبون إلى قارئة أو قارئ النظرة، وكانوا يشعرون بالتحسن، وكانت قارئة النظرة، وهي إنسانة أمية، تمسك بورقة نبات أخضر مع قطعة خبز، وترفع يدها وتجعلها تحوم حول رأس المريض، وهي تتلو التعويذة التي حفظتها عن ظهر القلب، وما تكاد تتمتم ببعض الكلمات حتى تفتح فاها وهي تتثاءب وباستمرار، ويظل التثاؤب ملازماَ لها بعد كلَ جملة تقريباَ حتى يكاد فمها ينشق، إلى أن تنتهي من التلاوة، كان الحاضرون يقولون: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم،  لدى مشاهدتهم هذه المرأة وهي تتثاءب، ويسخطون على تلك العين الحاسدة التي أصابت هذا الشخص، وبعدها تتمَ عملية تبخير المريض.

اطلعت على بعض النصوص لتعويذة العين الحاسدة، ويمكن القول: إنها متشابهة، فيها ذكر لله تعالى وبعض الأولياء الصالحين، ويمكن عدَها نمطاَ من الدعاء، وإنما حشي فيها الغث مع السمين، واختلطت العامية مع الفصحى، وبعض هؤلاء المعيونين من كان يكتفي بهذا القدر فقط (أي بقراءة النظرة) إذا كانت إصابته خفيفة، أما إذا كانت إصابته بالعين ثقيلة، فكانوا يصهرون قدراَ من الرصاص، ويصبَونه بقدر من النحاس فيه ماء، ويكون رأس المريض مغطى بقطعة شاش، كغطاء الرأس مثلاَ، ويمكن تكرار هذه العملية أكثر من مرَة.

علم النفس الحديث تناول ما يشبه هذا الموضوع بكثير من العمق والتوسع والتحليل، فأثبت خطر العين إن صح التعبير (التنويم المغناطيسي، الإيحاء، قوة التأثير إلخ)، كلَ هذا له علاقة وثيقة بما نسميه بلغتنا العامية: العين، وبعضهم يلجأ إلى تعليق قطعة من الشب مع خرزة زرقاء فوق صدور الأولاد أو يضعها فوق باب البيت أو الحانوت بعد إضافة حدوة الحصان وبعض قطع العظام، بل إن بعضهم وضع فردة حذاء قديمة في أسفل السيارة من الخلف، كلَ ذلك دفعاَ للعين الحاسدة، أجل للخرافة نصيب وافر في هذا الموضوع، وللعلم والحقيقة أيضاَ نصيب، وقديماَ قيل: الغريق يتعلق بقشة في سبيل النجاة، ولكن الشيء النادر حقاَ ألا يكون للإيمان الواعي نصيب في هذه المعمعة، وقد عثرت على ورقة، مكتوب في أعلاها “هذا كتاب يحرس صاحبه من إصابة العين” وتحته مباشرة صورة عين إنسان، وهذا نصَ الورقة: “قد رأى واسترأى في أوسع البرية، من عين شهلا وعين زرقا، فوجدها نافشة شعرها، ومكشرة عن أنيابها، تعوي عوي الذئاب وتنبح نبح الكلاب، فسألها على من ترمي نيرانك وشرك، قالت له: على طفل مولود، وشاب منكود، أنا أصيب الصَبية في صباها والعروس في جلاها، أصيب الشاب في حسامه، والخيَل في ميدانه، وأصيب الرعيان في مراعيها، أصيب البوش والطروش، وأفوت على الدار أدعها خرابا.

ويقول لها: كذب يا عين، لأحبسك في قمقم نحاس، وأسكب عليك زئبقاَ ورصاصاَ، وأرميك في بحر الغطاس حتى لا يعود لك يا عين لا ملجأ ولا خلاص.

حندق بندق عين الشافتك وما سمت عليك تطق وتنبق”.

هذا وكان على من يرغب في النجاة من العين الشريرة أن يضع هذه الورقة بعد طيها عدة طيَات لتصبح صغيرة، داخل بيت صغير من القماش المخيط ويحمله في عنقه تحت ثيابه، على شكل حجاب.