دراساتصحيفة البعث

طموحات في مهب الريح

عناية ناصر

تزايد طموح المجموعة الرباعية، الآلية الإقليمية التي تقودها الولايات المتحدة، بهدف احتواء الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، على الساحتين الإقليمية والدولية، حيث اجتمع وزراء خارجية الدول الرباعية -الولايات المتحدة وأستراليا واليابان والهند- على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لأول مرة منذ الاجتماع الرابع لوزراء خارجية الرباعية الذي جرى في 11 شباط من العام الماضي.

في بيانهم المشترك، أعادت أعضاء المجموعة التأكيد على أن الدول الأربع ستواصل تعميق التعاون متعدّد الأطراف لدعم تعزيز حرية وانفتاح منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وفق زعمهم. وأكد البيان على دعم الرباعية الثابت لوحدة الآسيان ومركزيتها، والبنية الإقليمية التي تقودها الآسيان، والتنفيذ العملي لرؤية الآسيان حول المحيطين الهندي والهادئ، إذ تعتبر الآسيان حيوية للإستراتيجية الجيوسياسية للآلية الرباعية، لكن القول بأن المجموعة الرباعية تقدّر حقاً دور الآسيان في المنطقة هو أمر بعيد عن الواقع، فما تقدّره المجموعة أكثر هو كيف بإمكانها استخدام الآسيان كقبضة في خطتها الكبرى المناهضة للصين.

في هذا الشأن، يرى خبراء العلاقات الدولية أنه من خلال تكرار الخطاب “المرتكز على الآسيان” بشكل مستمر، تعتزم المجموعة الرباعية من وراء ذلك الحصول على دعم لأعمالها المستقبلية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ من قبل المزيد من الدول الإقليمية، والتحوط من مكانة الصين متزايدة الأهمية في آسيا والمحيط الهادئ، بمعنى أن التجمع يثبت أنه لا يزال متمسكاً بمنطق تفكير الحرب الباردة، وسياسة التكتل.

على الرغم مما ذُكر، فإن الرباعية تقوّض أساساً مركزية الآسيان، وهي تسعى للهيمنة على النظام الاقتصادي والأمني ​​الإقليمي من خلال تشكيل مجموعات، ولاسيما تلك التي تستبعد الصين، بما لا يتعارض فقط مع إرادة معظم البلدان في المنطقة، بما في ذلك أعضاء الآسيان، ولكنه قد يزيد من زعزعة استقرار الوضع الإقليمي.

تجدرُ الإشارة إلى أنه تمّ تأسيس الرباعية كحوار أمني في البداية، وتمّ تشكيلها تدريجياً لتصبح منظمة تنطوي على تعاون في مجالات متعدّدة، ومنها الرغبة في إصلاح الأمم المتحدة، على أمل أن يكون للمجموعة رأي أكبر في المجتمع العالمي، كما تأمل المجموعة أيضاً أن يتمّ إجراء مثل هذا الإصلاح بناءً على الأهداف التي حدّدتها الرباعية، وإثبات تأثيرها على نطاق أوسع.

إن مصالح الدول الأربع في توسيع المقاعد الدائمة في مجلس الأمن الدولي هي نفسها بشكل أساسي، فاليابان على سبيل المثال حريصة للغاية على أن تصبح عضواً دائماً في مجلس الأمن، على افتراض أن ذلك سيفيد الرباعية والولايات المتحدة على وجه الخصوص.

كانت واشنطن تأمل في دفع المزيد من حلفائها وشركائها للانضمام إلى مجلس الأمن للحدّ من نفوذ بكين وموسكو وحق النقض، مع ذلك من الصعب على المجموعة الرباعية المضي قدماً في أجندة إصلاح الأمم المتحدة. على الرغم من وجود إجماع أولي على الإصلاح داخل المجموعة الآن، إلا أنه لا يوجد إجماع حول قضايا مثل كيفية الإصلاح على وجه التحديد. علاوة على ذلك، هناك شكوك ومعارضة من دول أخرى لحصول اليايان على مقعد دائم في مجلس الأمن، كما أن إصلاح مجلس الأمن ليس بالأمر السهل، فهنالك مسائل مثل تعريف الاختصاصات بين الدول الأعضاء، وما إذا كان يجب الاحتفاظ بحق النقض، إلى مداولات متأنية ومن المرجح أن تظل معلقة لفترة طويلة. بشكل عام، من المستحيل أن يصبح طموح الرباعية حقيقة واقعة في هذه المرحلة.

منذ إعادة تفعيل الرباعية، عُقدت عدة قمم على مستوى القادة ووزراء الخارجية، إلا أنه لم يتمّ تنفيذ مشاريع فعلية، حيث يعتقد تشانغ تنغ، نائب مدير قسم دراسات آسيا والمحيط الهادئ في معهد الصين للدراسات الدولية، أن المجموعة الرباعية تواجه العديد من المشكلات الداخلية. على سبيل المثال، تشترك هذه البلدان الأربعة في القليل من الموارد والرغبة في توفير السلع العامة للمنطقة، ولم تتمكّن من معالجة قضايا سلاسل التوريد، بسبب عدم تمكنها من وضع خطة محدّدة، وعدم وجود توافق في الآراء على مستوى أعمق.