رأيصحيفة البعث

بدائلنا بأيدينا.. عن “عدرا الكهروضوئية”!!

أحمد حسن 

قيل الكثير عن العلاقة الوثيقة وغير القابلة للانفكاك بين السياسة والاقتصاد، وربما كانت العبارة القائلة بأن “السياسة اقتصاد مكثّف” هي أشهر ما “حُرّر” في هذا المجال، علماً أن العكس صحيح أيضاً في عُرف من قُدّر له أن يطّلع على “بعض” كواليس صنع القرارات، السياسية أو الاقتصادية، لدى أصحاب القرار في الدول المختلفة، والعظمى منها تحديداً، حيث التداخل والتأثير المتبادل لا يمكن غضّ النظر عنه بأي صورة من الصور، وربما تقدّم لنا الأحداث العالمية الأخيرة، مثل تفجير “نورد ستريم2″، وما يعنيه هذا الأنبوب في سوق الطاقة والسياسة، والصراع، الصامت حتى الآن، بشأن السيطرة على “أشباه الموصلات”، الدليل الأحدث على التداخل بين الاقتصاد والسياسة في الحروب الدائرة بين كل من واشنطن من جهة، وموسكو وبكين من جهة أخرى، دون أن ننسى أن “العنف” والعسكرة هما اقتصاد أيضاً للرأسمالية -التي تثيرهما وتتغذى عليهما – في طورها المتوحّش الذي نعيشه اليوم.

بهذا المعنى، نقرأ مشاركة الرئيس بشار الأسد شخصياً في إطلاق المرحلة الأولى من تشغيل “مشروع الطاقة الكهروضوئية” في مدينة عدرا الصناعية، كفعل اقتصادي “يتكثّف” سياسة ويتّكئ عليها في الآن ذاته، لتعبّر، أي المشاركة الشخصية، عن ذلك الرابط الذي لا ينفك بين المجالين، فـ”المحطات الموجودة دمّرت بفعل الإرهاب”، كما قال الرئيس الأسد، والإرهاب لم يقُم بهذا الفعل، الاقتصادي في نتيجته المباشرة، إلا بناء على قرار سياسي من مشغّليه بتدمير البنية التحتية للاقتصاد السوري تمهيداً لإخضاع البنية السياسية لهيمنة الخارج وتوجّهاته.

لذلك تأتي “المحطة” – وإن كانت الصورة الغالبة عليها اقتصادية بحتة – كفعل سياسي تتكامل أركانه مع “رسائله” بصورة لا لُبس فيها، وخاصة أن أسلوب إنشائها التعاوني بين مجموعة من رجال الأعمال ارتبط بـ “تغيير نمط التفكير بالنسبة لموضوع الاستثمار” لدى القطاع الخاص من نمط المشاريع الاستثمارية الأسهل “من ناحية استرداد المال، من ناحية التنفيذ، ومن كل النواحي”، إلى مشاريع أصعب وأطول مدى زمنياً في استعادة كلفتها وتحقيق أرباحها، لكنها، بالمطلق، أكثر فائدة للاقتصاد المنتج الذي نأمل ونسعى إلى تعميمه في سورية، وتلك خطوة تُقرأ في السياسة أكثر ممّا تُقرأ في الاقتصاد، لأن “الكهرباء تحديداً، وخاصة في ظروف نقص إنتاج الكهرباء في سورية، هي القطاع الذي يدخل في كل القطاعات الأخرى ويرفعها، إضافة إلى أنه يرفع مستوى الحياة الاجتماعية، من خلال كونه موجوداً في حياتنا اليومية”.

إذن هذا مشروع يفتح، بشكله ومضمونه وطريقة إنشائه، آفاقاً جديدة أمام رأس المال الوطني في “التوظيف الاستثماري الوطني الذي يفيد المجتمع كلّه، بعيداً عن غايات الربح السريع للمستثمرين، وخصوصاً في زمن الحرب والحصار”، كما قال الرئيس الأسد، وهذا بدوره فعل سياسي مكتمل العناصر، سواء من خلال وضعه الجميع في الداخل، وخاصة “المقتدرين” منهم، أمام مسؤولياتهم الوطنية دون إغفال حقهم بفائدة اقتصادية مجزية وثابتة و”مولّدة للأكثر” وإن بتأخير ما، أو القول للخارج إننا نصنع بأيدينا بدائلنا “المقاومة” عن إرهابكم وعقوباتكم وحصاركم، وهي وإن كانت غير كافية حتى الآن، لكننا بدأنا، من خلال “صنع” شراكة جديدة وخلاقة بين الدولة والقطاع الخاص، في وضعها على “السكة” الصحيحة، و”عدرا الكهروضوئية” إحداها.. ولن تكون آخرها.