اقتصادصحيفة البعث

اقتصاديات المدن..! 

قسيم دحدل

في الوقت الذي اعتمد مجلس الوزراء بجلسته أمس الأول استمارة تتبع تنفيذ الخطط التنموية على مستوى الوحدات الإدارية بما يضمن حسن الأداء وإدارة الإنفاق وتوجيهه نحو المشروعات الأكثر جدوى، وبما يسهم في متابعة العمل وتذليل الصعوبات والوصول إلى الغايات المرجوة من المشروعات الاستثمارية الواردة في الخطط التنموية.. في هذا الوقت، هناك موضوع من أهم موضوعات التحولات الاقتصادية التي يشهدها العالم والذي يُعرف بـ “اقتصاديات المدن”، نأمل أن تكون حكومتنا بصورته.

لا شك أن موضوعا بحجم وأهمية وضرورة “اقتصاديات المدن” – إذا ما ربطناه بإعادة الإعمار والبناء – لا يمكن أن يختزل باستمارة تتبع، لأن مفهوم وماهية وأهداف هذا الموضوع تتجاوز البدائية الإجرائية في تتبع احتياجات ومتطلبات التنمية المستدامة، حيث أن التوجه نحو تطبيق اقتصاديات المدن يتعلق بفهم حركة الشعوب والهجرة عموما، بعد أن نشأت أسئلة متنوعة وملحة عن هذا السلوك الإنساني، وكيف يمكن تسخيره من أجل النهضة والتنمية الشاملة..

على سبيل المثال: لقد نجحت دول مثل الصين والبرازيل وماليزيا في استخدام هذا التوجه من أجل بناء كتل اقتصادية وتجمعات صناعية حول مدن معينة، لصنع ازدهار مناطقي تم دمجه لاحقا في الاقتصاد الكلي لبناء منظومة متكاملة، وهذا الأمر يقوم على مبدأ غريب نوعا ما، وهو أنه لا توجد ميزة أو عيوب أبدية في المواقع الجغرافية، ذلك أن الإنسان قادر بشكل ما من خلال توظيفه الصحيح لرأس المال والتكنولوجيا، على بناء وإعادة بناء اقتصاد المدن.

وفي هذا الخصوص، أثبتت الدراسات أن هناك نوعين رئيسين من السلع والخدمات فيما يتعلق باقتصاد المدن: النوع الأول هو السلع والخدمات مثل السلع اليومية من متاجر البقالة، والنوع الآخر هو سلع وخدمات متقدمة مثل الأجهزة المتطورة التي تتطلب متاجر مختصة. ولاحظ الباحثون في اقتصاد المدن أن الناس على استعداد للتنقل مسافات مختلفة تباعا لاختلاف نوعية السلع والخدمات، وهذا يؤدي إلى إنشاء مراكز حضرية بأحجام مختلفة، فظاهرة التنوع بين المدن والسلع يحددها نوع وشكل الطلب في كل مدينة ومركز حضري، وهذا يقودنا إلى مسألة أكثر تعقيدا بشأن فكرة المزايا النسبية لأي مدينة أو منطقة، فالخبرة الإنسانية التي أنشأت مدنا كبرى وتجمعات وتكتلات صناعية، تشير إلى أن هذا السلوك يمكن ترشيده من خلال خطط اقتصادية واضحة مع توفير رأس المال والتكنولوجيا المناسبة.

هذا الإطار التفسيري للسلوك الاقتصادي للمدن وأهميته في بناء الاقتصاد الكلي، يدفعنا لطرح سؤال بسيط مختصر ومباشر وهو: هل ما نقوم به يأخذ بالحسبان الأساسيات المطلوبة لتحقيق اقتصاديات مدننا؟ خاصة وأن الإحصائيات والدراسات تؤكد أن الاقتصاديات العالمية، ليست قائمة على الدول بل قائمة على المدن، فـ 85% من اقتصاد العالم يأتي من المدن، وخلال الأعوام المقبلة سيأتي 95% من اقتصاديات العالم من المدن!

Qassim1965@gmail.com