مجلة البعث الأسبوعية

ما جدوى اجتماعات الوزير مع التجار والصناعيين إن لم تُزد الإنتاج وتُخفّض الأسعار؟

 البعث الأسبوعية ـ علي عبود

المنطق يقول إن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك يجتمع دورياً واستثنائياً مع التجار والصناعيين لمناقشة قضايا زيادة الإنتاج والتصدير، وتخفيض أسعار السلع والمواد بما يناسب دخل العاملين بأجر، وتعزيز المنافسة التي تمنع الاحتكار، وذلك من خلال آليات فعالة تقدم التسهيلات للمنتجين والمستوردين وتوفر المواد في الأسواق بكميات تزيد عن الطلب، ولكن الواقع يقول، إن الإنتاج يتراجع، والتصدير في حدوده الدنيا، وأسعار السلع والمواد ترتفع يوماً بعد يوم، ولا تزال قلة من التجار والصناعيين تحتكر الأسواق، وتفرض على المستهلك أسعاراً تفوق قدرته الشرائية بعدة أضعاف! وبما إن ما من نتائج فعلية تخرج عن اجتماعات وزير التجارة مع الصناعيين والتجار تنعكس إيجابا على الإنتاج والأسعار فإننا نسأل: أين الخلل، هل هو بعدم استجابة الحكومة للمطالب المشروعة، أم بعقلية التجار والصناعيين عير المستعدة للتخلي عن الجشع والاحتكار، أم بالاثنين معا؟.

 ماذا يريد الوزير؟

حسب ما تسرب من اجتماع وزير التجارة الداخلية الدكتور عمرو سالم مع غرفة صناعة دمشق وريفها في نهاية الشهر الماضي فإنه بحث معهم في كيفية التعاون للارتقاء بالصناعة (وكافة الإمكانيات المتاحة للمساهمة في تحقيق الاستقرار بالسوق المحلي وذلك من خلال توافر السلع للمواطنين بأسعار مناسبة). القضية لم تكن أبدا في توافر السلع، فكمياتها في مستودعات التجار والصناعيين تكفي دائما لأكثر من سنة على الأقل، فالمشكلة كانت ولا تزال بأسعار السلع، فهي أعلى من دول الجوار من جهة، وتفوق القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية من جهة أخرى.

ترى هل سأل وزير التجارة أعضاء غرفة صناعة دمشق وريفها وعبرهم جميع الصناعيين السوريين: لماذا منتجاتكم أعلى من دول الجوار؟ والأكثر أهمية أن يسأل الوزير الصناعيين: لماذا إنتاجكم يتقلص وصادراتكم تتراجع؟ إن لم تجب اجتماعات الوزير مع الصناعيين على هذين السؤالين كمقدمة لمعالجة الأسباب وإصدار القرارات المناسبة، والإنفاق على آليات فعالة تزيد الإنتاج والتصدير وتخفض الأسعار إلى مادون مثيلاتها في الدول المجاورة، فلا جدوى من أي اجتماعات جديدة مع الصناعيين!! وبالمحصلة ليس مهماً ما يريده الوزير من الصناعيين، وإنما ماذا يريد الصناعيون من الحكومة كي تدور عجلات الإنتاج بأقصى سرعاتها، فيزداد الإنتاج والتصدير، فتنخفض الكلفة، وتنخفض معها الأسعار، فهل هذا الأمر مستحيل، وماذا يريد من التجار؟، فالملاحظ أن وزير التجارة حريص على عقد اجتماعات مع غرف التجارة أكثر من اجتماعه مع الصناعيين، ربما لأن التجار يتحملون مسؤولية إمداد الأسواق بالسلع والمواد، والتحكم بأسعارها، وبالتالي فإن ما يريده الوزير من التجار عدم حجب المواد والتوقف عن احتكارها وزيادة أسعارها! ولكن، هل سأل وزير التجارة ممثلي التجار: لماذا تحتكرون المواد والأسواق وتبيعون سلعكم بأسعار أعلى من دول الجوار؟ والسؤال الأكثر أهمية الذي يجب على الوزير طرحه على التجار: لماذا تتنافسون على الاستيراد ولا تتنافسون على تصدير المحاصيل الزراعية لزيادة وارداتنا من القطع الأجنبي وتجنيب المزارعين الخسائر الجسيمة التي تفوق إمكاناتهم المادية، وليس مهماً أيضاً أن يطلب وزير التجارة من التجار توافر السلع وتخفيض أسعارها وزيادة الصادرات، فالأكثر أهمية أن تستجيب الحكومة لمطالب التجار الخاصة بتخفيض تكاليف السلع المستوردة لتباع بأقل من أسعار دول الجوار، وبفتح أقنية دائمة للتصدير، وأن لم يتوصل الوزير في اجتماعاته مع التجار إلى تبني آليات فعالة تحقق وفرة المواد في الأسواق بأسعار تناسب الدخل، وزيادة التصدير، فإننا نؤكد إن لا جدوى من هذه الاجتماعات!.

 جعجعة بلا طحين

وكما هو متوقع دائما فإن اجتماعات وزير التجارة الداخلية مع غرف التجارة والصناعة ينطبق عليها المثل (اسمع جعجعة ولا أرى طحينا) فقد تحولت منذ سنوات إلى نوع من (البرستيج الإعلامي)، وأكثرها يأتي استجابة لمطالب رؤساء الغرف بهدف حل مشكلاتهم مع الضرائب والجمارك ودوريات الرقابة، ولإقناع الحكومة بتقديم المزيد من الإعفاءات والتسهيلات، والملفت إن اتحاد غرف الصناعة لديه مذكرة (عتيقة) تتضمن مقترحات تدير عجلات الإنتاج وترفع كميات السلع والمواد وتزيد الصادرات، والأهم تحفز على تنفيذ استثمارات جديدة، وتشجع الصناعيين المغتربين على إقامة مشاريع مجدية في سورية، ولكن ما من حكومة استجابت لتنفيذ مذكرة غرف الصناعة، دون أي سبب معلن، ما يوحي إن أولويات الحكومات المتعاقبة كان ولا يزال للاستيراد لا للتصنيع المحلي، بدليل ضآلة الدعم المقدم للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر التي تشكل النسبة الأكبر في هيكلية الاقتصاد الوطني على الرغم من قدرتها على إنتاج سلع بجودة عالية وكلف رخيصة تتيح بيعها بأسعار في متناول غالبية السوريين مع إمكانية تصدير كميات كبيرة منها، أي أنها مدرّة للقطع الأجنبي.

 السلع متوفرة ولكن!

وما كشفه عضو مجلس إدارة عرفة تجارة دمشق ياسر أكريم بعد الاجتماع الأخير لوزير التجارة الداخلية مع غرفة صناعة دمشق وريفها يؤكد أن مثل هذه الاجتماعات لم تعد مجدية، وأصبحت الحاجة ملحة لاعتماد آليات أكثر فعالية ليخرج منها قرارات قابلة للتطبيق لا أن تبقى خبرا على ورق أو يتم التبرؤ منها في اليوم التالي. باختصار، أكد أكريم (أن معظم المواد متوافرة في الأسواق حالياً لكن على حساب السعر الذي بات مرتفعاً بشكل كبير ويفوق قدرة المواطن الشرائية). أما السبب وراء كون أسعار موادنا أغلى من دول الجوار فهي وجود (منظومة كاملة تؤدي إلى رفع الأسعار منها رفع أسعار الطاقة وأجور النقل وأمور أخرى..) وإذا كان توفر المواد الإستراتيجية على وجه الخصوص بكميات أكبر متوقف على أن يكون استيرادها أسهل وبتخفيض الضرائب المفروضة عليها، فهل ناقش الوزير هذه العقبات في اللجنة الإقتصادية أو في أي اجتماع لمجلس الوزراء؟ لطالما ترددت معزوفة ارتفاع تكاليف المواد المستوردة أو المصنعة محلياً، ونشدد على كلمة معزوفة لأن ما من حكومة حتى الآن اتخذت قرارات جادة لخفض التكاليف، بل على العكس كانت ترفعها دورياً برفعها لأسعار المحروقات والكهرباء والأسمدة والأعلاف والنقل..الخ! نعم، إذا لم تدعم الحكومة مستلزمات الإنتاج فلن تنخفض التكاليف ولا الأسعار، وستبقى السلع متوفرة بالأسواق أعلى من مثيلاتها في دول الجوار و لن يقدر على شرائها بكميات وفيرة سوى الميسورين جدا!.

لاشك إن وزير التجارة الداخلية محقاً جداً عندما يؤكد (أن التسعير يجب أن يكون حسب الكلف الحقيقية مضافة إليها نسب الأرباح) ولكن الأسعار النهائية للسلعة لن تناسب ملايين الأسر السورية ولن تكون أرخص من دول الجوار إن لم تكن مستلزمات إنتاجها مدعومة جدا!! الأجور والإنتاج ومن المستغرب أن وزير التجارة الداخلية لايتطرق كثيرا إلى مناقشة واقع الرواتب والأجور، تماما مثلما فعلت جميع الحكومات المتعاقبة، في حين يعرف الجميع إن مامن زيادة للإنتاج إن لم يُبع في الأسواق، وبالتالي طالما إن القدرة الشرائية لملايين الأسر السورية إضمحلت إلى مادون خط الفقر، فمن الطبيعي أن تتراجع كميات إنتاج السلع بمختلف مسمياتها ومتدرجاتها بنسب تجاوزت الـ 40% ، وبدأ المنتجون الصغار يخرجون من السوق والكبار يخفضون الإنتاج .. وما من حكومة أجابت على السؤال: ما مصير الاقتصاد الوطني في القادم من السنوات ومن أبرز تجلياته أن 2000 منشأة تستعد للاختفاء من الوجود؟ المشهد الحالي خطير جدا: كبار المنتجين والمستوردين يوفرون ما لذ وطاب في الأسواق لشريحة ثرية أو دخلها مرتفع قادرة على شرائها مهما ارتفع سعرها! ولا يمكن اجتثاث هذا المشهد جذريا إلا بالعودة إلى معادلة التوازن بين الإنتاج والأجور، ولا يمكن لغير الحكومة حل هذه المعادلة، فالتاجر والصناعي لا يمكن كما قال وزير التجارة مراراً البيع بخسارة، ولا يهم الاثنان القدرة الشرائية للمواطن بل هما يطالبان الحكومة دائما برفعها كي تنشط الحركة التجارية أكثر فأكثر، وإذا لم تعمل الحكومة الحالية أو أي حكومة جديدة في المستقبل القريب وليس البعيد على آليات تزيد دخل ملايين الأسر السورية فسيدخل الاقتصاد المحلي في مرحلة انكماش مخيف، فهل دق وزير التجارة المسؤول عن الأسعار والأسواق جرس الإنذار في اجتماعات مجلس الوزراء أم لم يفعلها حتى الآن؟