زواياصحيفة البعث

سقوف الحرب في أوكرانيا

علي اليوسف

لا شك أن سقوف الحرب في أوكرانيا سترتفع بعد تفجير جسر القرم، لكن هذه السقوف لن تكون بالضرورة عسكرية، بل قد تكون استخباراتية بامتياز، خاصةً أن هذا النوع من الأعمال التخريبية هو استحضار للسيناريو الذي جرى في سورية، أي استخدام التنظيمات الإرهابية المدعومة من قبل أمريكا لتعبئة الرأي العام والمساعدة الدولية في تشكيل تحالفاتها لتنفيذ سياساتها الخارجية.

وعليه يبدو أن الولايات المتحدة اختارت الانتقال إلى المرحلة الثانية، كما جرى في الحرب العالمية الثانية آنذاك ولو بطريقة مختلفة نسبياً، إذ بعد المفاجآت العالية للجانب الروسي التي أحرجت واشنطن، وحلفاءها على كافة المستويات العسكرية، والأمنية، والاقتصادية، وحتى الإعلامية، ووسائل الحرب النفسية، لم يعد أمام واشنطن من خيار سوى الانزواء بعيداً والاحتفاظ بماء الوجه، أو الذهاب نحو  الحرب بالوكالة، وهو ما بدأت ملامحه تظهر بعد تفجير جسر القرم، ما دامت المجازفة بإستراتيجيتها المعروفة باسم الضربة الاستباقية بعيدة الآن.

في المقابل، يعتمد الجانب الروسي على الصبر الاستراتيجي في رهانه على أخطاء الولايات المتحدة ونفاذ صبرها، ما يجعلها تتخذ الردود بشكل مدروس وحازم. لذلك من الضرورة بمكان الركون إلى التعاطي الأميركي والأطلسي مع أوروبا الشرقية والبلدان الآسيوية المحيطة بروسيا كساحات توظيف، ومن الضروري أيضاً البحث في الخلفية الفكرية لصراع الاستراتيجيات بين روسيا، والغرب عموماً لمقاربة الصراع بين روسيا والولايات المتحدة في أوكرانيا.

وللتدليل على هذه المقاربة، من المفيد التعمق في كتابات باحثي وكتّاب الأمن القومي الأمريكي، أمثال بريجنسكي، فيلسوف الإمبريالية الأميركية وعقلها الإستراتيجي، وآلان توفلر، وألفريد ماهان، وغيرهم من “الطابور الخامس”، الذين يحذرون من الصحوة الروسية، ويدعون إلى استباقها، من خلال منعها من أن تصبح لاعباً أساسياً في أوراسيا، بالنظر إلى موقعها في “الهارتلاند”، حيث تشمل أوراسيا، بحسب المدارس والمقاربات، 75% من السكان والمساحة والموارد في العالم، وتقارب من حيث مركزها – قلب العالم وموقع روسيا فيه – كما من حيث أطرافها، المجال الحيوي وإطار الأرض، أو الهلال الخارجي.

لقد قسم بريجنسكي أوراسيا بين اللاعبين الأساسيين، وهم روسيا والصين وألمانيا وفرنسا، ولم يعتمد اليابان وبريطانيا لتبعيتهما لأميركا، أما ساحات أو محاور الصراع، فهي أوكرانيا، وأوزبكستان، وكازاخستان، والقوقاز، وكوريا الجنوبية. لذلك بعد تفجير جسر القرم من الضروري أن تستمر روسيا في صبرها الاستراتيجي، وتغير من خططها العسكرية بالانتقال إلى تفعيل المرحلة الثانية وهي العمليات الاستخباراتية في العمق الأوكراني، صحيح أنها مهمة شاقة بلا شك، لكنها ليست مستحيلة.