دراساتصحيفة البعث

أوروبا لا تريد فتح الصنبور

علي اليوسف

من الطبيعي أن تكون أوراسيا محور الاستقطاب العالمي لاستحواذها على 75% من مقدّرات الكرة الأرضية، وهو ما يفسّر كل تلك الهجمة الأمريكية والغربية على روسيا التي تقع في قلب المنطقة. هذا الغرب لم يحسب أن المغامرة التي دخلها في مواجهة روسيا سينتج عنها عالم متعدّد الأقطاب، والأهم أن آسيا ستلعب الدور الرئيسي في هذا النظام الجديد، وهو دور ينظر إليه على أنه سيكون نظام أمن متساوياً وغير قابل للتجزئة، على عكس ما كانت تقوم به الولايات المتحدة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي السابق.

إن ارتدادات العقوبات الأمريكية والغربية غير المعقولة على روسيا أصبحت المؤشر الحقيقي على التغييرات في الواقعية السياسية العالمية، ولكن بقيت عدة عناصر بحاجة إلى حلول جذرية لتكون تلك الواقعية السياسية في مسارها الصحيح، ومن تلك العناصر ضرورة استخدام العملات الوطنية في التعاملات، لأنها السبيل الوحيد لتعزيز سيادة الدول، كما أنه من اللازم إزالة جميع الحواجز أمام سلاسل التوريد في العالم، خاصةً وأن هناك تهديداً حقيقياً بحدوث مجاعة واضطرابات على خلفية تقلّب أسعار الطاقة والغذاء في العالم.

هذه الاضطرابات والتحديات، التي تواجه سوق الطاقة العالمية، هي نتيجة طبيعية للسلوك الأمريكي عبر نظام كييف واستخدامه الإرهاب وسيلة لتنفيذ أهدافه من أجل تقويض خط أنابيب “السيل التركي” بهدف دفع المورّدين للجوء إلى الغاز الأمريكي ذي السعر العالي. وليس هذا فقط، إذ تعرّض “السيل الشمالي” المشروع الاقتصادي، الذي تشارك فيه الشركات الروسية والأوروبية على قدم المساواة، للتخريب بهدف أمريكي مكشوف هو قطع العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي من أجل إضعاف أوروبا.

وهذا يعني بالضرورة أن ارتفاع الأسعار في أوروبا ليس بسبب العملية الخاصة في أوكرانيا، بل في الحقيقة هي نتيجة الخطط الخبيثة الأمريكية التي ترمي إلى ربط أسعار الغاز بالنفط، والاعتماد على العقود طويلة الأمد، رغم أن روسيا لا تترك مناسبة إلا وتؤكد أنها مستعدة لضخ الغاز إلى أوروبا عبر “السيل الشمالي-2” إذا الطرف المقابل “فتح الصنبور”. لكن ما دام الطرف الأوروبي لا يريد فتح الصنبور، فإن الرفاهية والازدهار وارتفاع مستوى المعيشة التي كان يؤكد عليها القادة الأوروبيون ستذهب أدراج الرياح، وهي في طريقها الأكيد، حيث ستبدأ روسيا قريباً في بناء خط أنابيب “قوة سيبيريا-2″، وهو المسار لضخ الغاز من روسيا إلى الصين.

أما فيما يتعلق باستخدام العملات الوطنية في التعاملات، فقد بات من شبه المؤكد أن معظم دول الاتحاد الأوراسي وافقت على دفع ثمن الغاز الروسي بالروبل، بالإضافة إلى رغبة تلك الدول أيضاً في اعتماد العملات الوطنية في التعاملات التجارية، وهو ما يكسبها الزخم بمرور الوقت، كما أن الروبل الروسي سيتعزّز مع زيادة التسويات المتبادلة بالعملات الوطنية في جميع البلدان التي يتمّ فيها توريد المواد الخام والغاز الروسي، ليبقى السؤال هل هذا ما كانت تريده دول أوروبا؟.