اقتصادصحيفة البعث

“استثمار بسمنة وآخر بزيت”.. رغم النفي الرسمي: “دلال” السياحة يثير حفيظة القطاعات المنكوبة

دمشق – ريم ربيع

لم يفلح التعاضد الحكومي في الدفاع عن الاستثمار السياحي وميزاته خلال المرحلة الحالية، بإقناع الكثيرين ممن عبّروا عن استيائهم من كيفية تحديد الأولويات، ومنح القطاع السياحي –على أهميته- هذا الزخم على حساب قطاعات أخرى، لاسيما مع التراجع الكبير للقطاعات الاقتصادية والخدمية، والبطء في إعادة الإعمار والاستثمار، حيث استنكر متابعون وخبراء الاقتصاد الضخ والتوسع في المشاريع السياحية في وقت تغلق فيه منشآت هامة، ويتعطل عمل أخرى بانتظار المحروقات والطاقة لتشغيلها.

ورغم النفي المتكرر لدلال القطاع السياحي، إلا أن عدد المشاريع الجيد والسرعة في معالجة المشاريع المتعثرة، والأريحية في التمويل التي تحدث عنها وزير المالية قد تشي بخلاف ذلك، وهو ما كان ظاهراً في حديث المستثمرين الذي كادت تغيب عنه الصعوبات والهموم، ففي وقت بحت فيه حناجر صناعيين ومستثمرين وحرفيين، ووصلوا حد البكاء في بعض المجالس طلباً لأبسط حقوقهم، وجدنا أريحية غير مسبوقة في لقاءاتنا مع المستثمرين خلال ملتقى الاستثمار السياحي، إذ عبّر معظمهم عن الاستجابة السريعة مع مطالبهم، وتسهيل استيراد مستلزمات منشآتهم الـ5 نجوم..!

سلاسة الحلول

مستثمرون ورجال أعمال استعرضوا تجاربهم خلال الملتقى، وأبدوا ارتياحاً واضحاً لـ”سلاسة” الحلول، مطالبين بزيادة التسهيلات المالية والمصرفية والتحويلات، ومعرجين “بخجل” على أهمية معالجة أزمة الطاقة والمحروقات، إذ أشار المستثمر مرهف نزهة إلى البطء الذي واجه بعض مراحل تنفيذ مشروعه، والتأخر بموافقات اللجنة الاقتصادية للاستيراد، إلا أنها “إشكالات بسيطة” لاقت حلولاً مرضية، فيما أكد المستثمر مضر ابراهيم على أهمية الاستقرار التشريعي والاستثماري ومعالجة كافة العقبات بشروط عمل صحيحة.

بروباغندا

الخبير الاقتصادي عامر شهدا رأى أن التركيز اليوم يجب أن يكون لإيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي، أما السياحة فهي مجرد تفصيل، فرغم أهمية القطاع وتحقيقه موارد وفرص عمل، وانعكاساته الاقتصادية، لكن يوجد أولويات ومقومات لنجاح ملتقى السياحة، أهمها استقرار المواطن من خلال معالجة مشكلاته الاقتصادية، فالاستقرار الاجتماعي يشجع السياحة، أما تأمين مكان لإقامة أجنبي بغياب سكن للمهجر عن منزله، فهذا ضرب من الخيال ومجرد بروباغندا.

وأضاف شهدا: “من وجهة نظري، وبالاستناد للبيان الحكومي والتصريحات أن المواطن أولاً، أجد أن على الحكومة التفكير بالمواطن قبل مشاريع السياحة، فمن غير المعقول عقد ملتقى سياحي بوجود الفقر والتسول بنسب كبيرة، وأنا مع استثمار أملاك الدولة لكن لماذا لا يتم هذا بما يعالج التضخم ويرفع القدرة الشرائية، إذ يوجد إمكانات محلية متاحة للنهوض الاقتصادي السريع إلا أنها تتطلب إدارة وعقول مبدعة”.

استثمار يزيد التضخم !

وتساءل الخبير الاقتصادي عن تمويل هذه المشاريع إن كان ذاتياً أم عبر قروض من المصارف، فإذا كانت نسبة عالية من رأس المال مصدرها المصارف يصبح من غير المنطقي تسميته استثمار، وهنا جاء الجواب بما صرح به وزير المالية أمس حول فتح سقف تمويل مشروع فندق الحجاز مثلاً، ليتساءل شهدا: كيف سيؤثر هذا التمويل على التضخم؟ وهل يعقل الاستثمار لزيادة التضخم، وتوجيه المليارات لاستفادة مستثمر واحد؟

ومن خلال مراجعة الكتل النقدية التي وظفت في القروض خلال عام ونصف، أوضح شهدا أن معظمها وجهت لمشاريع لم تقدم أي مردود، مبيناً أن السياحة تكون بوجود استقرار اقتصادي واجتماعي، وغيابه يعني فشلها، كما أن الاستثمار يحتاج خدمات، وأمام شح الطاقة والمحروقات واليد العاملة وغلاء الأسعار من الغريب كيف نشجع على السياحة، موضحاً أن التصريح عن مقومات وتشجيع يعني وجود موارد قطع عالية وقدوم سياح أجانب، فالحديث عن أكثر من مليون زائر قد يكون معظمهم زوار للمزارات الدينية، وهذه ليست سياحة ولا يوجد فيها مصاريف على السائح.

لا يراهن عليها

وأمام نسب الفقر وضعف القدرة الشرائية المتزايدة، لا يزال السؤال مطروحاً حول سبب اكتظاظ المنشآت السياحية بمختلف أنواعها، حتى تكاد لا تجد حجزاً في المواسم الأساسية، ليوضح شهدا أن المطاعم ليست دليلاً على الانتعاش الاقتصادي، ولا يمكن المراهنة عليها فالحجوزات كلها محلية وليست أجنبية أو عربية، والأولى بدلاً من التعويل عليها، السؤال عن مصادر أموال هذه الفئة البسيطة من المجتمع، فهل أصبح المجتمع السوري اليوم مخملي و5 نجوم؟

وأشار شهدا إلى أن التحويلات الخارجية كانت تساعد إلى حد ما بهذه الحجوزات، إلا أنها بدورها ستتراجع اعتباراً من الشهر القادم بنسبة 85%، على اعتبار زيادة التضخم بأوروبا 8%، وتراجع تغذية الطاقة الذي تسبب بإغلاق منشآت عديدة وتسريح عمالها –ومنهم السوريين- مبيناً أنه بدلاً من مقياس المطاعم، يجب معرفة حركة الكتلة النقدية بالأسواق، والمهن والعمالة والإنتاج والتصدير وموارد القطع، فاكتظاظ المنشآت بلا تحقيق أي نمو يعني وجود خلل مالي.