الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

وهْم التحضّر

عبد الكريم النّاعم

فور جلوسه، وبلا مقدّمات، قال باستغراب: “لقد شاهدتُ قبل وصولي إليك صبيّة متأنّقة وهي تُمسك بمقود كلبها”.

قلت: “أين الغرابة”؟!!

قال: “الغرابة في أنّ هذا كان معروفاً في الأحياء المشهورة بثرائها، وفيهم مَن يقلّد أهل الغرب المتقدّم، وهم بتقليدهم لهم يتوّهمون أنّهم صاروا من ذلك الصنف، أمّا أن يكون ذلك في حيّ شعبيّ فذلك له معنى آخر”!

قلت: “لو التفتّ قليلاً إلى الشارع المجاور لفاجأك محلّ بديكوراته الباهظة، فإذا نظرت للأعلى قليلاً شاهدتَ لافتة تفيد أنّ هذا المحلّ خاص ببيع أطعمة الكلاب، والعناية بها، ولمعلوماتك، أو معلومات غيرك فهذه الكلاب مرتفعة الأثمان، ويجب أخذها للطبيب في فترات معيّنة، كما يُفترَض أن تعتني بحمّامها، وإلاّ حملت أمراضاً تهدّد صحة الإنسان”.

قال: “لم تُجبني ما معنى هذه الظاهرة في أحياء شعبيّة بامتياز”؟!!

قلت: “الأمر واضح، هذا يعني أنّ ثمّة أناساً من أبناء هذا الأحياء قد وجدوا بين أيديهم من الأموال ما يجعلهم يتصرّفون كما يتصرّف الأثرياء، وهذا يثير ضمناً سؤالاً في محلّه هو: من أين حصل هؤلاء على هذه الأموال؟ وكيف؟ وبأيّ طريق مشروع؟!”.

قال: “في الغرب لديهم أسبابهم المُقنعة لهم على الأقلّ، فهناك معظم العائلات ليس لديها أولاد، أو إذا وُجد فولد واحد لا غير، استقلّ بنفسه ولا يراه أهله إلاّ في المناسبات الرسميّة، وقد تكون السيّدة، أو السيّد، وحيداً، فهم يقتنون الكلب ليؤنس وحدتهم، وهم مشغولون بتنزيهه، وبطعامه، وبنظافته، ومعظم تلك الكلاب تنام قرب أرجل مَن يعتني بها، وهم يستخدمونها في تأمين بعض الحاجيات، ولقد شاهدنا على الشاشة الفضية كلاباً تذهب وفي رقبتها سلّة، وُضعت فيها ورقة، يحملها الكلب إلى المكان المخصّص، فيضعون في السلّة مضمون الورقة، ويعود بها الكلب، أمّا نحن ففي كلّ بيت، حتى من بيوت المشار إليهم العديد من الأولاد، وما اهتمامهم بالكلاب إلا تقليد فجّ لظاهرة في الغرب”.

قلت: “لا أريد أن أتحدّث عن هذا الحيوان الأليف، فهو يربّى لدى البدو لحراسة قطيع الغنم من الذئب، وفي الأرياف يوجد في البيوت لينبّه أهل الدار إذا ما دخل رجل غريب لاسيّما في الليل، وفيه من الوفاء ما يُضرب به المثل، وفي العالم كلّه قصص مدهشة عن وفاء هذا الحيوان، غير أنّ هذا شيء وما نحن بصدده شيء آخر، ولا تنس أنّ السيد الرسول، صلوات الله عليه وآله، قد حذّر من خطر معاشرة الكلب، فقال: “إذا وَلَغ الكلب في إناء أحدكم فلْيغسله سبع مرّات إحداهنّ بالتراب”، وقال الشرّاح إنّ في لعاب الكلب جرثومة لا تتطهّر إلاّ بالغسل سبع مرات، إحداهنّ بالتراب، فكيف الحال مع الذين يتعايشون تعايشاً يوميّاً مع هذا الحيوان”؟!!

قال: “خطر ببالي الآن تلك الجمعيات الكثيرة المنتشرة في الغرب وتدعو إلى الاهتمام بالقطط، والكلاب، وبعض الحيوانات المهدَّدة بالانقراض”.

قلت: “نعم، ذاك ما تتحدّث عنه بعض وسائل الإعلام، ورغم ما في الدعوة من شعور رقيق، فإنّها ممّا يُتَوَقّف عنده”.

قال: “لم أفهم”..

قلت: “يؤلّفون الجمعيّات النّشطة لِما ذكرت، ويغفلون عن أنّ ثمّة بشراً فوق ظهر هذا الكوكب لا يجدون ما يأكلون، وثمّة مَن لا يجد الدواء، وثمّة من لا يجد المأوى، ومَن يدقّق في سبب نكبات هذه الشعوب يجد أنّ الطغيان الغربي هو الذي أوصلها إلى ما وصلت إليه، أنظر ما يجري في فلسطين بشكل يوميّ من تدمير للبيوت، وقتل، وتهجير، والآخر مشغول بالدعوات لرعاية الحيوان، فأيّة مفارقة مرّة”؟!!

aaalnaem@gmail.com