البعث أونلاينسلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعث

لماذا العالم يضيق ذرعاً بالغرب؟

د. عبد اللطيف عمران
… والذرْع: الطاقة، وضاق ذرعاً: ضعُفت طاقته، ونفدت حيلته، وضاق صدره. هكذا هي اليوم حال شعوب العالم وبلدانه أمام غطرسة العالم الغربي كدول وأنظمة وسياسات، وليس كشعوب ومجتمعات، ونتاج معرفي وثقافي وتكنولوجي. هذا النتاج الذي طالما وظّفته الحكومات الغربية لتعزيز النزوع الاستعماري التقليدي اليوم.
فقد وصل اليوم العالم الغربي إلى أقصى اتساعه (الاتحاد الأوروبي وأمريكا الشمالية واستراليا)، وليست المشكلة في الاتساع الجغرافي ولا الديمغرافي، بل في استراتيجيات الهيمنة المرتبطة بطروحات المحافظين الجدد، وأفكار صدام الحضارات، ونهاية التاريخ، وسياسات الهيمنة والتفرّد، والعقوبات والحصار، ونهب الموارد الطبيعية، ونشر الثورات الملوّنة، وتغذية المشهد الاحتجاجي الاعتباطي الهدّام، والفوضى الخلّاقة، إضافة إلى العبث بالعملات الوطنية تعزيزاً لاستبداد الدولار على المستوى العالمي، وفي المنعكسات السلبية لهذه السياسة على (الآخر) الذي لا يحفل به قادة الغرب.
العالم ليس كله الغرب، كما يطمح ويطمع الغرب مقابل نفور واسع ورفض وطرح بدائل في آسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية منذ نهوض حركة التحرر الوطنية والعالمية في القرن الماضي في بلدان القارات الثلاث على اتساعها الجغرافي والديمغرافي، وهذا ما أوضحه في سياق حديثه الطويل الرئيس بوتين في 1/10/2022 أمام الجمعية الفيدرالية الروسية (البرلمان)، حيث: (تتطور حركة التحرير المناهضة للاستعمار، وللهيمنة، ولأحادية القطب بالفعل في الدول والمجتمعات، وهي التي ستحدد مستقبل الواقع الجيوسياسي القادم).

ومن جهة أخرى فقد لاقى الطرح الصيني منذ عام 2013 لمبادرة (الحزام والطريق) قبولاً دولياً وشعبياً واسعاً، وعزّز سياسات التحوّل في النظام الدولي نحو اقتصاديات السوق بعد الخلل الذي أصاب استراتيجيات العولمة، وحرية التجارة، وحماية البيئة، والأمن والسلام والاستقرار اللازم – والبعيد – عن النظام الدولي الجديد، فرأى كثير من العالم أن هذه المبادرة واعدة وجديرة لتكون -مشروع القرن الاقتصادي- في العالم.
رأى العالم الغربي – المهيمن عليه أمريكياً – في الصين وروسيا أنموذجين مقلقين لمطامع ولمستلزمات سياسات الهيمنة وأحادية القطب، فبدأ بأنواع من المواجهة التخريبية في الشرق الجيوسياسي التي وردت مظاهرها أعلاه والتي انتهت إلى رفض تلبية الضمانات الأمنية المشروعة لروسيا وصولاً إلى افتعال أزمتي أوكرانيا وتايوان… وها هي الأمور تجري وتتجه إلى أسئلة مقلقة لا يمكن لأحد أن يجيب عليها في مجريات الواقع، ولا في المدى المنظور مع فشل الغرب في جمع دول العالم في جبهة واحدة ضد روسيا والصين، بل قد تجري الرياح عكس ما تشتهي سفن الغرب، وها هي تجري.
نحن في هذا السياق، وفي هذه المنطقة من العالم التي تعيث فيها سياسات المركزية الغربية بقيادة صهيو-أمريكية، ومع ما تعانيه أقطارنا وحقوقنا ومصالحنا وقضيتنا المركزية فلسطين والأراضي العربية المحتلة، واجب علينا أن ندفع هذه المعاناة ونصمد ونقاوم في سبيل حقوقنا وأرضنا ومصالحنا ومستقبل شعبنا ووطننا وأمتنا، وهذا يتطلب من بعض ما يتطلب أن نرى صواباً ومشروعاً ومشروعية في ما قاله الرئيس بوتين كرؤية وكتحدٍّ في 1/10/2022: (فقد قرر الغرب عقب انهيار الاتحاد السوفييتي أن على العالم أن يتحمّل املاءاته إلى الأبد، ومنها تحريك الشعوب ضد بعضها البعض ودفعها نحو الفقر والانقراض، فالغرب مستعد لتخطي كل شيء من أجل الحفاظ على النظام الاستعماري الجديد ولجمع الجزية من الإنسانية، فعدوّه الرئيسي هو الدولة المستقلة والقيم التقليدية، والثقافات الأصيلة، والنخب الغربية تنكر السيادة الوطنية والقانون الدولي وتسمّي أتباعها بـ (الدول المتحضّرة)، ومن يخالفها بـ(الدول المارقة) وبـ (النظم الاستبدادية) ولهذا تذهب الاتفاقات مع الغرب إلى سلّة المهملات لتقويض أيّة مراكز للتنمية السيادية… فقد أغرقوا الحقيقة في محيط من الأساطير والأوهام والأخبار المزيّفة)… إلخ من مفردات مثل: لا قدّر الله – فلتصحبهم بركة الله. ولا تقل تصريحات القيادة الصينية واقعية ولا تنديداً عن هذا ولا سيما تجاه الإدارة الأمريكية.
إننا لا نحكم بالجملة، ولسنا أسارى الرأي والقرار لأحد، لكن كنّا، ومازلنا، ونخشى أن تستمر معاناتنا ومواجهتنا للتحالف الصهيوأطلسي، في وقت لا ننكر فيه أبداً فضل أوروبا الجار في التاريخ والجغرافيا والحضارة على العالم في تطور الثقافة والعلوم ونشرهما حتى وصل الأمر ببعض مؤرخينا إلى اعتبار حملة نابليون على مصر عام 1798 بداية التاريخ العربي الحديث، وعصر النهضة واليقظة وحركة التنوير العربية، لكن لا ننكر بالمقابل أيضاً دورها المجرم في اتفاقية سايكس بيكو، ووعد بلفور، واحتلال الأراضي العربية ونهب ثرواتها وإعدام أحرارها، ودعم المتطرفين والإرهابيين والصهاينة اليوم فيها. فالمثاقفة مع الفكر الغربي، ومع الفئات العقلانية في مجتمعاته شيء، والتصدي لعدوانية سياساته شيء آخر. وهذا ما لم يعد يحتمله العالم وهو ينظر إلى قادة غربيين هم نتاج ديمقراطية مزعومة من أمثال هولاند وترامب وماكرون وتراس…. إلخ.