مجلة البعث الأسبوعية

المخرج المسرحي عجاج سليم نحاول ألا نبكي ولا نستطيع إلا أن نشتاق

أمينة عباس

المسرح بالنسبة له هو الحياة التي يرى نفسه فيها، فعلاقته بالمسرح طويلة جداً، تقوم على العشق والحب، واستمراره فيه لأنه ما زال يشعر أنه المكان الأنسب لقول ما يريده، ومن عادته أنه يتأنى في الإقدام على تنفيذ أي مشروع مسرحي،وهو عندما يبدأ بإنجاز مشروع جديد يعطيه من روحه وطاقته الكثير،وجمهور المسرح يتابع له حالياً مسرحيته الجديدة “نقيق” نصّ روعة سنبل وذلك على مسرح الحمراء بدمشق.

*يشكو المخرجون من عدم وجود نص مناسب للعرض،فما الذي أغراك في نص “نقيق”؟

**هو نصّ كنتُ قد قرأتُه عام 2020 بحكم وجودي آنذاك في لجنة تقييم النصوص التي شاركتْ في مسابقة النصوص المسرحية التي أعلنت عنها الهيئة العربية للمسرح والتي  تقدم لها 247 نصاً، وقد نُظمت المسابقة تحت شعار “الخيال والكتابة خارج النمط” ولفت انتباهي هذا النص كثيراً، ومنذ ذلك الوقت وأنا أفكر بمسرحته لأنه يستفز أيّ مخرج،وأكثر ما شدّني إليه أنه كُتِب بلغةٍ بليغةٍ وبتكثيفٍ عالٍوخيالٍيدلّ على أن كاتبته تتمتع بموهبة كبيرة، ولا أنكر أنني قمتُ بإجراء بعض التعديلات في عملية إعدادي للنصلتحويل عباراتهإلى لغة مسرح (إشارة، مؤثر، فعل) ومزجتُ السينما بالمسرح في العرض الذي أنجزتُه بعيداً شكل الحكاية التقليدية، متكئاً على الكلمة والإشارة والرمز وسينوغرافيا المكان وكل عناصر العرض من موسيقا وديكور ومؤثرات لتحويل العرض إلى حياةٍ حقيقية، وهذا لا يتم إلا بالتفكير بطريقة مختلفة والعمل على تقديم الدهشة على مدار العرض، ودون ذلك لن يصل العمل إلى ما يريده.

*وكيف تكون عادةً آلية عملِك على النص؟

**أقرأ النص،وفي القراءة الثانية أعمل على تحليل الأفعال، ثم أنتقل مع الممثلين لتجسيد الحركة، وحينها يجب أن يكون الممثلون متشبعين بكل كلمة لأن الكلمة حسّ، والمعنى هو روح،وعملي مع الممثل يكون فيتفسيري للنص والصور والرؤى، ثم يأتي دورُه في التعبير.

*وكيف تعاملتَ مع النص فنياً؟

**كعادتي لا أرغب في إتعاب الجمهور، وأحاول دائماً أن أقدم له معادلاً سمعياًوبصرياًوحركياً ليرى ما هو جديد، مع حرصي على عنصر الدهشة التي ترافق كلّلحظة من لحظات العرض،وآخر مفاجأة في عرض “نقيق” توضح كل هذا الكلام.

*ماذا تقول عن الكاتبة بعد أن أبصر نصّها النور على يديك؟

*هي كاتبة رائعة، وأعتز أنني أقدم كاتبة سورية للمسرح السوري والعربي، وأتمنى منها أن تواظبعلى الكتابة للمسرح لأنه بحاجة لأمثالها ولأنها تفهم لغة العصر والمسرح دون  تنظير.

*يقوم عرض “نقيق” على شخصيات نسائية، فماذا كانت الرسالة؟

**المرأة في كلّ بيت سوري كانت أكثر من  تأثر بالحرب، فهي فقدت الأب والابن والزوج والأخ، واختصرتُ ذلك بالقول نحاول ألا نبكي، ولكن لا نستطيع ألا نشتاق:”الشارع ضيق عندما نبكي، وقليل عندما نشتاق”..والعرض يدافع عن المرأة السورية التي هي نموذج إنساني راقٍبالمقارنة مع أي امرأة تعيش في زمن الكوارث، وقد تقوم الحرب وتنتهي ويبقى ما بعد الحرب أبشع من الحرب نفسها، وهي جملة تقولها في المسرحية مي لزوجها الذي تركها عشر سنين وحدها لتصرخ في النهاية بعد سرقة الأمل والتوهج والقدرة على فعل شيء: “أريد أن أحيا” لأن الحرب يجب ألا تسرق منا رغبتنا في الحياة.

*استحضرت الكاتبة الشاعر الراحل رياض الصالح الحسين.

**استحضرتْهبذكاء، ورافقت الشخصيات قصيدتُه “حار كجمرة، بسيط كالماء،واضح كطلقة مسدس”..لقد كتب الحسين قصائده بإحساس عالٍ وكانت قريبة من الناس، وأعتقد أن الفن إذا لم يتصف بذلك فلن يجد صدى له.
*
كان العرض بالعربية الفصحى، فعلى أي أساس يقوم المخرج باختيار اللغة العربية الفصحى أو العامية لتكون لسان حال الشخصيات في العرض؟

**ينبع ذلك من خصوصية النص الذي يعمل عليه المخرج وليس وفقاً لرغبته الشخصية، والعربية الفصحى في “نقيق” كانت خير حامل لمعنى كل جملة وردت في النص، وكانت الوسيلة الناجعة لإيصال رسالة الشخصيات، وقد تعامل الممثلون معها بكل بساطة بعد أن فهموا النص.

*بماذا تتمنى أن يخرج الجمهور من مسرحية “نقيق”؟

**أن يردد الجمهور أغنية “أريد أن أحيا” لأنها لسان حال الشخصيات في العرض ولسان حال كل سوري اليوم.

*بين المغامرة والرغبة في تقديم ما يريده الجمهور لمن تنحاز اليوم؟

**عندما أخرجتُ مسرحية “سفر برلك” رغم أنها كانت عملاً صعباً كنت أفكر بالجمهور، وما زلت، ولكن الآن أفكر أيضاً أنه من واجبي الإمساك بيده لخوض المغامرة معي بجرأة وثقة،وأعرف جيداً أن تقديم ما هو مختلف مغامرة تستند بالدرجة الأولى على تقديم ما أشعر به وأفهمه.. واليوم وبعد هذه المسيرة لا أريد التنازل عن ما أفهمه لأرضي أحداً، مع تأكيدي على أن المسرحي في النهاية يتمنى الوصول لكل الناس.

*المسرح فن يقوم على التواصل مع الجمهور، والتواصل هذا يفرض على المخرج شروطاً كثيرة، فما هي أبرزها برأيك؟

**أول هذه الشروط تقديم فن معاصر راهن (الآن وهنا) فأي نص يغيّب المرحلة ولا يتعامل مع المحيط يفقد التواصل الذي لا يقوم فقط على حضور الجمهور بل حضوره والخروج منه وهو يفكر في العرض،وعندما ينجح أي عرض في ذلك يكون قد أوصل الرسالة التي يحملها المسرح،وقد يحضر المُشاهد عشرة مسلسلات دفعة واحدة، ولكن بعد فترة لا يبقى في ذهنه شيء منها، في حين أن حضور مسرحية واحدة إذا كان فيها ما هو هام تبقى راسخة في الذهن لسنوات طويلة إذا نجحت في طرح الأسئلة التي تفضي إلى خلق حوار ونقاش مع الأصدقاء وتشكيل انطباعات كثيرة لدى بعضهم، وهذا أمر في غاية الأهمية في عالم المسرح، ونحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى هذا الحوار والنقاش.

*ما أهمية تقديم ما هو مختلف في المسرح؟

**تقديم ما هو مختلف ومحاولة القيام بالتغيير حاجة وضرورة،وإحدى مشكلات المسرح العربي اليوم تنميط العروض، والكثيرون من المسرحيين لم يخرجوا من عباءة الأقدمين في آلية تقديم العروض المسرحية،وهنا لا أطالب بقطع العلاقة مع الماضي والتجارب المهمة التي قدمها المسرحيون وآليات عملهم لأن ما توصل إليه هؤلاء لم يأتِ إلا يعد معاناة، ولكن من الأهمية بمكان تقديم عروض تحاكي جمهور اليوم ومتطلباته شكلاًومضموناً لأن المسرح ليس مجرد نص بل هو فنّ له لغته وعناصره ويجب تغذيته وتطويره بشكل دائم،وفي ظل وجود وسائل التواصل والاتصال المتنوعة لم يعد الجمهور يرضى بالقليل ولم يعد كجمهور الستينيات والسبعينيات يقصد المسرح ليسمع كلمة جريئة لا يستطيع قولها في الشارع بل يتوجه إلى المسرح ليرى ما لا يمكن مشاهدته لا في التلفزيون ولا في السينما ولا في وسائل التواصل والاتصال الأخرى،وهذا ما سعيت إليه في “نقيق” لأقول للمسرحيين، وخاصة الشباب : بإمكانكم تقديم ما هو مختلف عما سبق وعما يُقدم حالياً، وهذا لا يتطلب سوى الشغف والبحث والابتكار وعدم الاستسهال.

*لا بد أنك قرأتَ نصوصاً كثيرة عن الحرب أو ما بعدها، فإلى أي مدى تشعر أن المرأة أكثر قدرة على التقاط تفاصيل الحرب وما بعدها؟وما رأيك بما قُدم عن الحرب من مسرح بشكل عام؟

**المرأة أكثر قدرة في التقاط التفاصيل لحساسيتها العالية وموهبتها في استشعار الأمور وخوضها لتجارب الحياة، خاصة في الحرب التي عاشت فيها كل الاختبارات القاسية والمؤلمة، وبالتالي هي إن كتبت فستكتب ما هو مختلف ورؤية تميزها عن رؤية الرجل للأشياء، وقد قُدمت نصوص عديدة خلال العشر سنوات العجاف وكانت عروضاً حماسية، وبعضها تجارية تاجرت بأوجاع الناس، وأصحاب هذه الأعمال لا يختلفون عن تجار الحرب، وهذه الأعمال سقطت، في حين أن بعضها أعاد تدوير الحرب على شكل عروض مسرحية، وبعضها التقط بعضَالمشاكل أثناء الحرب،وقدقدمت في هذا الإطار عملين هما “هوب هوب”نص جوانجان و””كيميا”..وفي “هوب هوب” قلت أوقفوا هذه الحرب بصيغة كوميدية بهدف التخفيف عن الجمهور المنهك أساساً من الحرب، وفي “كيميا” حذفت من كلمة حرب حرف الراء لتصبح حب، وهذا أهم ما كنا بحاجة إليه بعد الحرب وهي مرحلة أبشع من الحرب.

*عنصر الشباب أساسي في كل عروضك ؟

**وأنا سعيد أنه في كل عرض كنتُ أقدم ممثلين جدداً، ففي “سفر برلك” قدّمتُ شكران مرتجى، مريم علي، آمال سعد الدين، جمال العلي، مهند قطيش، سهيل جباعي ونضال سيجري، وأنا أراهن دائماً على الشباب لأن الممثل هو الأساس في عروضي، أحمّله كل ما عندي وأدخل معه في صراع..ومن هنا فإن عروضي مرهقة وهي تحتاج لروح الشباب.

*كيف تصف لنا المشهد المسرحي؟

**يضم المشهد المسرحي اليوم المناضلين والمقاتلين والصامدين وتُرفع القبعة لكل من يعمل في المسرح في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، مع التأكيد على أن كل من يعمل به فهو يعمل بفعل الحب لهذا الفن وإدراكه لأهميته في الدفاع عن الثقافة.. وكمسرحي أقول نحن مستمرون بالعمل في المسرح، وما نطلبه هو دعم الجمهور لنا.

يُذكر أن “نقيق” من إنتاج مديرية المسارح والموسيقا وهي من بطولة: ريم زينو، ندى العبد الله، وليد الدبس، أليس رشيد، إيناس رشيد.