مجلة البعث الأسبوعية

خير جليس

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

“اقرأ كي تحيا” مقولة للكاتب الفرنسي ألبرتو مانغويل حيث وصف تأثير القراءة في نفسه قائلاً: “حين أفترق عن كتبي أشعر أني أموت، فالقراءة بالنسبة لي انفتاح على العالم وتمنحني الحرية الكاملة لأن أنتقل مع المؤلفين إلى بلدانهم”.

أما أرسطو فقد بدا متفائلاً عندما سئل: كيف تحكم على إنسان؟ فأجاب: أسأله كم كتاباً تقرأ؟ وماذا تقرأ؟، ويبدو واضحاً جداً أن مسألة “هل تقرأ” كانت محسومة لديه وأمر بديهي غير قابل للجدل، حيث أن القراءة أمر مسلّم به لدى الإنسان وبالتالي الحكم يصدر انطلاقاً من عدد هذه القراءات ونوعيتها، لكن للأسف لو أن ارسطو موجودفي عصرنا هذا فإنه سيغير صيغة سؤاله بـ “هل تقرأ؟ وماذا تقرأ؟ وكم كتاب تقرأ؟

السؤال الذي يخطر في البال “هل القراءة متعة حقاً”؟ لتأتي الإجابة أنها ممتعة بشرط ان يكون الكتاب جميلاً ومفيداً ويتضمن أفكاراً متجددة، ولو أنه يلاحظ أن مسألة ضيق الوقت تقف حائلاً أمام الناس في موضوع القراءة بسبب الضغوط الحياتية التي استهلكتنا جميعاً، وجعلتنا أسرى متطلباتها بعيداً عن الركون ليس إلى الكتاب فحسب بل إلى أنفسنا أيضاً، ولم يعد الكتاب خيرجليس لنا في زماننا هذا، بسبب أولوياتنا الحياتية، ومع هذه الظروف لا يمكن أن تكون القراءة متعة لأنها كما قال عنها أحد المفكرين تبقى محاطة بالقلق.

وإذا توقفنا عند شعار معرض الكتاب السوري الذي تقام فعالياته الآن في مكتبة الأسد بدمشق “نقرأ لنرتقي” نرى أنه شعار يحمل في طياته الكثير من الاعتبار للكتاب السوري الذي يحتفى به للعام الثاني على التوالي عبر معرض تقيمه وزارة الثقافة بالتعاون مع اتحاد الكتاب العرب ومشاركة مجموعة من دور النشر السورية، ونتساءل هنا بماذا يختلف معرض الكتاب هذا العام عن معرض الكتاب العام الماضي؟ هل تمت مناقشة نتائج المعرض بسلبياتها وإيجابياتها أم أن الموضوع لم يتجاوز فكرة إقامة المعرض كحدث ثقافي مدرج ضمن أجندة وزارة الثقافة وحسب؟.

كثيرون من الناس الذين يرتادون معارض الكتاب يرون فيها مناسبات يتزاحم على أبوابها الناشرون ودورهم، أكثر مما يتزاحم القراء عليها للتعرف على جديد الكتب،لذلك نرى شكاوى الناشرين تفوق احتجاج القراء من ارتفاع الأثمان، خاصة وأن مجموعة دور النشر نفسها التي شاركت في معرض السنة الماضية، تعرض الكتب نفسها التي عرضتها في معرض الكتاب، ولو أضافت كتباً جديدة فلن يكون عددها لدى كل دار أكثر من عدد اصابع اليد،حيث فكرة المعارض بنظر البعض لا تنطلق من خدمة الكتاب بل من خدمة دور النشر التي ترفع شعارات تعميم القراءة والانفتاح والتنوير وتلاقح الحضارات، بينما الهدف الحقيقي لها تحقيق أكبر نسبة من الارباح ليكون القارئ هو الضحية حين لا يقوى على إغراء شراء كتبه المفضلة رغم غلاء أسعارها، وأحياناً يكتفي بالتجول بين أجنحة المعرض متصفحاً العناوين وحضور بعض الانشطة والفعاليات المرافقة للمعرض، والتعرف الى شخصيات بعض الكتّاب ممن يكونون ضيوفاً عليه، أو ممن يحتفلون بتوقيع كتبهم على هامش فعاليات المعرض، ولكن رغم ذلك علينا أن نعترف أن هذا المعرض الكتب هو متنفسنا الثقافي، وعلينا استغلاله.

وبعيداً عن كل هذه الطروحات لايمكن أن يكون هناك نهضة حقيقية للكتاب بدون  نهضة ثقافية عامة أساسها تعليم قويّ، ينتج قارئاً  يستطيع متابعة الإنتاج الجديد، ثقافياً واقتصادياً، ودون ذلك ستبقى معارض الكتاب أياماً خاصة لعرض مشاكل الناشرين، الذين لا يهمهم كتجار إلا عرض سلعهم، بينما الكتاب اشرف وأعلى من الاستهانة به.