رأيصحيفة البعث

سورية عنوان محور الانتصار

هل تمكّنت سورية بالفعل من تقسيم العالم إلى محورين متصارعين، المنتصرُ منهما سيكون عنواناً للعالم الجديد؟.

مع انهيار الاتحاد السوفييتي السابق في 26 كانون الأول عام 1991، وإنزال العلم الأحمر الذي يحمل المطرقة والمنجل ويرمز إلى واحدة من أقوى دول العالم من فوق قصر الكرملين، استفردت الولايات المتحدة الأمريكية بالقرار وفرضت هيمنتها على دول العالم، وأصبحت الفرصة مواتية لها لنهب ثروات الدول بطرق غير تقليدية بعد سيطرتها التدريجية على المنظمات الدولية تحت عنوان المساهمة المالية في هذه المنظمات.

بعد ذلك، أصبح الطريق ممهّداً أمام حلف شمال الأطلسي الذي تقوده واشنطن للتوسّع شرقاً إلى حدود روسيا الجديدة، فبدأت عملية الناتو ضدّ يوغوسلافيا بالاسم الرمزي “ملاك الرحمة” في آذار عام 1999، وجرى لأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية قصف عاصمة إحدى الدول الأوروبية المستقلة بالقنابل والصواريخ وصدر القرار بذلك دون موافقة مجلس الأمن الدولي.

ومع بلوغ نشوة الانتصار الأمريكي ذروتها في عام 2001، تقرّرت صناعة الذرائع لاجتياح مجموعة من الدول التي سمّتها واشنطن محور الشرّ، وهي: العراق وإيران وكوريا الديمقراطية وسورية وليبيا وكوبا، بالإضافة إلى بيلاروس وزيمبابوي، فكان أن ابتدعت الإدارة الأمريكية أحداث الحادي عشر من أيلول كمقدمة لاجتياح العراق وأفغانستان وسائر الدول الأخرى المصنّفة شريرةً حسب التعبير الأمريكي.

ما يهمّنا من كل ذلك أن انهيار “القطب الآخر” الاتحاد السوفييتي مكّن واشنطن من الاستفراد في القرار العالمي باستخدام أداتها العسكرية والاقتصادية والسياسية الضاربة “حلف الناتو”، ومن هنا تمكّنت من احتلال العراق وأفغانستان، في ظل انشغال الصين بالصعود الاقتصادي الهادئ على الساحة الدولية، ثمّ استطاعت عبر الناتو التفرّد بقرار قصف ليبيا في بداية ما سمّي “الربيع العربي”، وذلك كان ذروة التحكّم الأمريكي في العالم لأنه تمّ أيضاً من خارج مجلس الأمن مع معارضة روسية صينية شديدة.

ولكن توجّه الناتو نحو سورية بقوّاته وعصاباته من التنظيمات الإرهابية وفشله في الحصول على ما حصل عليه في كل من ليبيا وتونس ومصر، كان علامة فارقة، حيث دفع الصمودُ السوري في وجه الحرب الكونية روسيا والصين معاً إلى استخدام الفيتو مرات عديدة في وجه المشاريع التي استهدفت سورية، وكان ذلك بداية الانقلاب على الهيمنة الأمريكية العالمية، وبذلك بدأ يتظهّر وقوف كل من روسيا والصين وإيران وسورية في مواجهة المشروع الأمريكي، الذي استطاعت سورية أن تثبت أنه مشروع مصمّم لجميع القوى المناوئة لواشنطن، وليس فقط لسورية، فكان انتصار سورية على الإرهاب العالمي الصهيوأطلسي، بداية التحوّل نحو نظام عالمي جديد متعدّد الأقطاب لم يكن مجرّد الحديث عنه ممكناً قبل هذا الانتصار.

إذن استطاعت سورية بصمودها الأسطوري أمام الحرب الشاملة التي شنّت عليها في جميع المجالات، أن تقسم العالم بقضيتها وشرعية نضالها إلى محورين: محور صاعد يضمّ روسيا والصين وإيران وسورية وسائر مجموعة بريكس ودول أمريكا اللاتينية المناوئة للولايات المتحدة الأمريكية، وآخرَ يصارع الأفول بحكم النتائج المترتبة على الفشل الأطلسي في كل من سورية وأوكرانيا، وهو المحور الأمريكي الغربي مع كل توابعه في العالم.

ومن هنا كانت الحرب على سورية بداية لتشكّل الأقطاب الجديدة في العالم، وربما، على التوسّع، بداية لانهيار النظام الأحادي بأكمله، حيث بدأت دول العالم تتفلّت من السيطرة الغربية على قراراتها واحدة تلو الأخرى، وما قاله السفير الأوغندي في موسكو خير دليل.

طلال ياسر الزعبي