مجلة البعث الأسبوعية

الفهم الخاطئ للدين والتصيد الإعلامي باستخدام الإغراء والجذب أمن الوطن وتدابير الحماية.. مراجعة لأسباب انضمام الشباب إلى التنظيمات الإرهابية

البعث الأسبوعية-   د. ساعود جمال ساعود

كثيراً ما تدقق الوسائل الإعلامية والمراكز البحثية على الأسباب الخارجية للتحاق شريحة شباب المجتمعات العربية ومنهم الشباب السوريون بالتنظيمات الإرهابية رغم دراية الكثير منهم لحقيقتها ومخاطر الانطواء تحت لوائها، دون أن تُعنى الأسباب الداخلية بمناقشة جريئة ومعمقة تمّكن من الوقوف على مكامن الخلل ومعالجته والتي سرعان ما سيتبين بأن أغلبها بنيوي وتنموي.

بداية لا بدّ من التعريف بالأسباب الداخلية أو الذاتية، والتي هي مجموعة الأسباب (نفسية، مجتمعية) التي تدفع الشباب للانخراط في الجماعات الإرهابية، والتي تراوحت ما بين أسبابٍ  اجتماعية وسياسية وفكرية وعقيدية واقتصادية، والتي أسهمت في تهيئة الظروف المناسبة للانتماء لتلك التنظيمات أو الجماعات الإرهابية ومن أهم تلك الأسباب:

أولاً: الفهم الخاطئ للدين

يعد الفهم الخاطئ بأصول العقيدة وقواعدها والجهل بمقاصد الشريعة عاملاً مساعداً على تطرّف الشباب، إذ أن حفظ النصوص دون فهمها، والابتعاد عن المرجعيات العلمية الموثوقة ذات النبرة العقلانية في التعاطي مع النص الديني، يعتبرُ سبباً مباشراً لبروز ظاهرة الغلو وانتشاره، إذ إنّ الغلو في الدين وتفسير النصوص الشرعية على غير حقيقتها، أدى ومازال يؤدّي إلى ظهور الفكر المنحرف الذي يخلط بين الأمور كممارسة الإرهاب من جهة، والجهاد بالمعنى الديني من جهة أخرى.

 

ثانياً: أسباب نفسية

يوجد بشكلٍ عام دوافع تدميرية نفسية متأصّلة في الفرد، وتضخم الأنا العليا بسبب الشعور المتواصل بوخز الضمير، أو الإحباط في تحقيق بعض الأهداف أو الرغبات، أو الوصول إلى المكانة المنشودة، فهذه العوامل النفسية تؤدي إلى ارتكاب الأعمال الإرهابية، نتيجة لخلل في التكوين النفسي أو العقلي أو الوجداني، سواء مكتسب أو وراثي، وبالتالي تكون سبباً بالانضمام إلى التنظيمات الإرهابية، ورغم عدم ذكر حالات بهذا الخصوص، إلا أنّه يبقى سبباً أكيداً بانضمام البعض من الشباب العرب إلى التنظيمات الإرهابية.

ثالثاً: أسباب تربوية

أي انحراف أو قصور في التربية يكون الشرارة الأولى التي ينطلق منها انحراف المسار عند الإنسان، ويجعل الفرد عرضة للانحراف الفكري ومناخاً ملائماً لبث السموم الفكرية لتحقيق أهداف إرهابية.

رابعاً: البطالة والفقر

تعد من أهم العوامل التي قد دفعت الشباب إلى الانحراف والتطرف، إذ أن الحاجة إلى المال لإشباع الاحتياجات الضرورية، أو حتى الكمالية والذي قد لا يتوفر لدى الشباب الفقير، أو العاطل عن العمل، أو الذي لا يجد فرصة عمل مناسبة، قد تدفع الفرد إلى الانحراف والتطرّف، الذي يأخذ شكل الانتماء إلى التنظيمات المتطرفة التي تقوم بإشباع حاجاته المادية والمعنوية، كما فعل تنظيم “داعش” الذي قدّم الإغراءات المالية بهذا الصدد.

خامساً: ضعف التمسّك بالقيم الاجتماعية التي توجه الشاب العربي

شكّل ضعف التمسّك بالقيم الاجتماعية في المجتمعات العربية خصوصاً سبباً في انضمام الشباب العرب إلى التنظيمات الإرهابية ومنها “داعش” عندما أخذت الكثير من الأعمال والأخلاقيّات لا تنضبط بمعايير القيم والمثل التي استمدّها العرب ممّا تعارفوا عليه من الأخلاق والفضائل، وما استمدّوه من الشّرائع السّماويّة الصحيحة، حيث تتعلّق القيم بكلّ سلوكٍ أو عملٍ أو اعتقاد يكون له قيمة وأثر إيجابي، كما تُعتبر المعيار الذي يقوّم السلوكيات في الحياة، وعبر قياس مدى القرب من هذه القيم أو البعد عنها، وما حصل أن قسماً كبيراً من الشباب العرب بدّلوا قيمهم الاجتماعية بقيم ترضي قناعاتهم الشخصية، وتشبع غرائزهم التي لا تحلها قيم المجتمع العربي خصوصاً  قبل التشوّهات الأخيرة التي تعرّضت لها.

سادساً: نقص المستوى التعليمي

ساعد هذا السبب بشكلٍ يفوق أي سبب أخر على سرعة الانتماء للجماعات الإرهابية، فغالباً ما كانّ غالبية المتورطين في قضايا الإرهاب والتطرّف من الأميين، وهي حالة طبيعية ومتوقعة لأن الفرد المتعلّم صاحب العقل السوي لا ينساق بسرعة للجماعات المتطرفة، إلا بإرادته، لأنّهم يقدرون على التشكيك بدوافع وحقيقة أهداف الجهات الداعية للتجنيد لصفوفها سواءً “داعش” أو غيرها.

سابعاً: التصيّد الإعلامي

قامت وسائل الإعلام بدورٍ لا بأس فيه في دفع الشباب للانتماء لتنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات الإرهابية بشكلٍ مباشرٍ، وغير مباشر عبر الاستفادة من وسائل الإعلام المتعدّدة  المفتوحة جماهيرياً والمغلقة في بث أفكار التنظيمات الإرهابية عموماً، والترويج له لتجنيد أكبر عدد ممكن من الشباب، خاصّة ممن يتوفّر لديهم دوافع تساعد على الانتماء للتنظيمات المتطرفة والإرهابية، حيث استخدم  الإرهابيون شبكة الإنترنت كما تمت الإشارة مسبقاً في نقل الرسائل والتعليمات التنظيمية‏، وكانت لهم مواقع دعائية على الشبكة تنطق باسمهم وتدعو لأفكارهم‏،‏ وتجند الأعضاء والأنصار الجدد، الأمر الذي ساعدها بشكلٍ كبير.

ثامناً: انتشار الفساد في المجتمعات العربية

يعتبر استفحال الفساد في المجتمع سواءً الفساد الإداري والفساد السياسي عاملاً مهمّاً في إضعاف المجتمعات، وعرقلة القيام بوظائفها بمختلف أشكاله، فعل سبيل المثال من مفرزات انتشار الفساد المتفق عليها أنّه يؤدّي إلى تعطيل الحقوق وسوء الأداء الخدمي، وتضخيم البيروقراطية، وانتشار الرشوة والمحسوبية واستغلال الوظيفة، الأمر الذي عمّق ويعمّق الكره على الدول والمجتمعات التي ينتشر فيها خصوصاً عند الذين لم يتمكنون من نيل حقوقهم المشروعة، مما دفعهم إلى البحث عن وسيلة لتحصيل حقوقهم، كالانضمام إلى التنظيمات الإرهابية كما هو الحال بالنسبة “لداعش” مثلاً.

تاسعاً: نوعية المناهج التربوية والحملات الثقافية

إن هذه الحملات تصوّر الماضي بأجمل الصور والتعابير، وأضفت عليها الكثير من الصبغات المبالغ فيها في بعض الأحيان كالتركيز على إنجازات العرب وتضخيمها، فنجحوا من الناحية النفسية أن يغرسوا في النفوس ما أسميه “بنزعة الحنين إلى الماضي”، وترقّب أي مظهر من المظاهر ليعيشوا هذا الحنين كحالة حسية واقعية، ومثال هذا الأمل في إعادة الخلافة، فمنذ وفاة الرسول محمد بن عبد الله الهاشمي في عام 632 ميلادية، كان المسلمين متوحدين تحت حكم الخلفاء من بعد الرسول، استمرت نظام الخلافة كآلية من آليات الحكم الإسلامي مطبّقاً حتى عام 1924،عندما تم إقصاء الخليفة العثماني الأخير السلطان عبد المجيد في القسطنطينية، عندما أعلن كمال أتاتورك تركيا جمهورية علمانية، ومنذ ذلك الحين، تتوق بعض شرائح المسلمين لما يُسّمى مجازاً “استعادة الخلافة”، الأشبه بالحلم، وكأن الدول في عالم اليوم قد هجرت الدين! وكأن القوانين والأسس الناظمة لحيات مجتمعاتنا ليست مستقاة من الدين!، ليتفاجئ العالم بإعلان الإرهابي إبراهيم عواد السامرائي الذي أطلق على نفسه أبو بكر البغدادي عن عودة نظام الخلافة، ولقّب نفسه “الخليفة للدولة الإسلامية”، ولعل ما أدّى إلى قناعة الجيل الشاب به ، ما كسبه من دعمٍ دولي وإقليمي، وما حققه من توسّع، أدّى بالمجمل إلى خلق وهم لدى الشباب بأنّ النجاح والبقاء سيكون حليف هذا التنظيم الإرهابي “داعش” كنموذج عن التنظيمات الإرهابية التي نتكلم عنها، فتمّ انضمامهم على هذا الأساس.

عاشراً: استخدام أسلوب الإغراء والجذب

تصديق الوعود المقدّمة للشباب من قبل التنظيمات الإرهابية من قبيل الحوافز الإيجابية للمجندين  مثل السكن المجاني، والرعاية الصحية، والتعليم لأطفال المجندين، ورعاية الأيتام والفرصة للأفراد الذين لا يستطيعون تحمل نفقاتهم، وبالنتيجة لم ينفذوا أيّ من هذه الادعاءات التي اكتشفوا زيفها وخداعها، فقررا الفرار، وتم لهما ذلك، ليتضّح من خلال هذا المثال أن الخداع والتغرير والكذب كانت قوام الدعاية عند تنظيم “داعش”، ولكن ما زاد الأمر سوءاً هو تصديق الشباب لما قدّم لهم من وعود، التي اكتشفوا زيفها، وهذا الأمر بالفعل كان مشكلة لأن اكتشاف الخداع يتطلّب مستوىً من الثقافة والخبرة في الحياة والبعد عن السطحية في التفكير، وغير ذلك من الأمور التي لم تتوفّر عند هؤلاء الشباب وأمثالهم من الشبّان.

وحول نجاح الدول الداعمة للتنظيمات الإرهابية ومنها تنظيم “داعش” الإرهابي وأساليبها وسعيها في استقطاب الشباب بغرض تجنيدهم في صفوفها لتحقيق مكاسب عسكرية وأمنية وسياسية، حيث كشفت المخابرات المصرية في 8 كانون الأول 2013 أنّ عدداً من الشباب المصري خاصة من الدارسين للغة العبرية، قدّموا تقاريراً عن قيام شخصيات صهيونية بمحاولات لتجنيدهم في الاستخبارات عبر شبكة “الفيس بوك”، مستغلين في ذلك حاجة هؤلاء الطلاب لإتقان اللغة العبرية، حيث قامت الشخصيات بسؤال هؤلاء الدراسيين عن الحياة السياسية في مصر ومستقبل العلاقات بين مصر و”اسرائيل”.

الحادي عشر: الانفصام السياسي والأخلاقي لبعض النظم الحاكمة

تعاني العديد من الأنظمة الحاكمة من انفصام أخلاقي يتمثّل بوجود تباين بين ما تنص عليه الدساتير، وما يمارس بالفعل، فإن كانت الدساتير تنص على حرية ممارسة العمل السياسي والتكافؤ في الفرص بين المواطنين، إلا أن الواقع الفعلي هو عكس ذلك، وكذلك عدم السماح بالمشاركة السياسية التي تعرّف النشاط الذي يقوم به المواطنون العاديون بقصد التأثير في عملية صنع القرار الحكومي، سواء أكان هذا النشاط فردياً أم جماعياً، منظماً أم عفوياً، متواصلاً أم منقطعاً، سلمياً أم عنيفاً، شرعياً أم غير شرعي، فعالاً أم غير فعال.

بالنتيجة المختصرة، إنّ خضوع الشباب لضغط واحد أو أكثر من العوامل سالفة الذكر، هو ما دفعهم إلى البحث عن حلولٍ لعلاج مشكلاتهم، فأخذت حلولهم منحى سلبي، وكان الانتماء للتنظيمات الإرهابية، أحد الحلول التي فكّروا فيها، وقد انتهى الحال بالشباب إلى الدخول مع التنظيمات ومشاركتها في اتجاهاتها وتنفيذ مخططاتها، حيث شكّلت العوامل سالفة الذكر نقاط الضعف التي مكّنت التنظيمات الإرهابية على تعدد مسمياتها وخلفيتها الإيديولوجية من استقطاب الشباب إليه على الرغم من أنّها -برأي الشخصي- ليست مبرراً للانخراط في التنظيمات المتطرفة، وارتكاب جرائم إرهابية، لأنّها تظل أعمال غير مشروعة، وتخالف الفطرة السليمة، إضافةً إلى تعارضها مع الأديان السماوية كافّة، والقيم والاتجاهات التي يتبناها غالبية البشر وفي شتى العصور.