مجلة البعث الأسبوعية

الوسام لا يمنح لوسام.. الرئيس الأسد يمنح الدكتورة العطار وسام أُميّة الوطني ذا الرصيعة: رسالة الانتماء الوطني العميق والثابت والمتجسد بالتفاني اللامحدود في العمل من أجل الوطن

“البعث الأسبوعية” ــ أمينة عباس

لخص السيد الرئيس بشار الأسد في كلمته التي ألقاها خلال مراسم تقليدها وسام أُميّة الوطني ذا الرصيعة مسيرة الدكتورة نجاح العطار، نائب رئيس الجمهورية، حين بيّن أن الأوسمة التي يصنعها الشخص بنفسه أثمن وأعلى شأناً من أي أوسمة تُمنح له، وأن هذا الوسام بمناسبته وبحامله يحمل رسائل عديدة، عميقة بمعانيها، واسعة بشموليتها، يحمل رسالة الانتماء الوطني العميق والثابت والمتجسد بالتفاني اللامحدود في العمل من أجل الوطن والقناعة المتجذرة بالمبادئ الحافظة له والجامعة لمكوناته، والتمسك الصلب بمصالحه، والشجاعة في مواجهة الملمات والنوائب حين تصيبه، يحمل رسالة الانتماء القومي الذي يبدأ من اللغة العربية الأصيلة وصولاً إلى الهوية العربية الجامعة، محصناً بالفكر الغني والعميق ومثبتاً بالمواقف السياسية المبدئية، يحمل رسالة التحرر الفكري والاجتماعي والانعتاق من المفاهيم البالية دون الانسلاخ عن الجذور بمفاهيمها الصالحة لمجتمعنا والانتماء لماضينا كمنصة انطلاق للمستقبل بدلاً من الانفصال عنه ولتاريخنا كذاكرة نتعلم من دروسها ونستند إليها، مشيراً إلى أن منح وسام لقامة وطنية هو مناسبة وطنية لا شخصية، والحديث خلالها وعنها يأتي في نفس الإطار والسياق الوطنيين، لكن الوطنية كشعور وانتماء وفكر تبنى على مشاعر ومبادئ ومفاهيم المجتمع الذي يتشكل من أشخاصه فرادى، ولأننا لا يمكن أن نتناول مفهوم الوطنية بشكل منفصل عن الأفراد لا يمكن أن نفصل بين الجانب الوطني والجانب الشخصي للقامة الوطنية حيث يندمج فيها وفي نظرة الناس إليها الخاص بالعام، مؤكداً أن الوسام لا يُمنح لصاحب الإنجاز زيادة في مكانته أو مجرد تقدير لما قام به لأن أهمية الوسام تأتي من أهمية من يحمله أولاً وبالرسالة التي يحملها ثانياً، موضحاًإنه عادة ما يمنح الوسام على خلفية إنجازات قام بها الشخص تجاه وطنه ومجتمعه، لكن الإنجازات هي بحد ذاتها أوسمة يحملها صاحبها والوسام، لا يمنح لوسام، والدكتورة نجاح العطار تحمل مسبقاً الكثير من الأوسمة التي تجسد إنجازات كثيرة خلال مسيرتها الوطنية.

وفي كلمتها، أكدت د. العطار أن عزة الوطن تفرض علينا أن نسعى بإخلاص مع قائد باسل يمتلك العزيمة الصادقة والإرادة النزيهة لتحقيق التقدم الذي نصبو إليه، وهو الذي يمتلك الحزم كما يمتلك تواضع الكبار ومحبة الناس وهو الرصيد الإنساني الذي نكبر به جميعاً، متوجهة للرئيس الأسد بالشكر العميق الصادق والتحية المباركة وجزيل العرفان لقاء الشرف الذي منحه لها وهو يقلدها الوسام العربي الأموي الذي تعتز به على مدى الأيام.

أنموذج يحتذى به

لم يكن منح العطار هذا الوسام إلا لمن تستحقه، ومسيرتها تشهد أنها ناضلت في سبيل الوطن “قولاً وفكراً، عملاً وإنجازاً، وقد كانت وما زالت خير مثال يحتذى، والوجه النسائي السوري المشرف الذي يختصر ماضي وحاضر المرأة السورية المخلصة لوطنها، والقادرة والطموحة والمثقفة الفاعلة التي كانت لها بصمتها الواضحة على الثقافة السورية، منذ توليها وزارة الثقافة والإرشاد القومي عام 1976، لتكون حينها أول سيدة سورية تشغل هذا المنصب في تاريخ الحكومات السورية منذ الاستقلال، عام 1946، وهي التي استمرت فيه حتى العام 2000، لتصبح جزءاً من ذاكرة الثقافة السورية المعاصرة، وهي التي كانت جبهة الثقافة بالنسبة لها – وما زالت – “الأكرم في الجبهات، مخصوصة بمقاتليها من المثقفين، وموقوفة على الأقلام التي تعرف كيف تصوغ الوجدانات وتحميها من صياغات أخرى مضللة”، ليُحسب لها ما أسسته من بنية تحتية لمجموعة من المؤسسات الثقافية، كإحداث المعاهد الفنية، كالمعهد العالي للفنون المسرحية والمعهد العالي للموسيقا، وإنشاء دار الأسد للثقافة والفنون، وبناء عدد كبير من المتاحف في المحافظات، واسترجاع العديد من الآثار، وتوسيع العمل مع البعثات الأثرية ومراقبتها ضمن أسس معينة وتدريب كوادر محلية، والاهتمام بالمشاركة في معارض دولية للآثار نالت عليها سورية التقدير الدولي والإعلامي، إلى جانب اهتمامها بالمهرجانات المسرحية والسينمائية كمهرجان دمشق السينمائي ومهرجان بصرى الدولي ومهرجان المحبة وتوسيع الاتفاقيات الثقافية مع كثير من الدول التي أتاحت للعديد من الفرق الفنية التوجه لسورية من مختلف أنحاء العالم، وإقامة المعارض التشكيلية في تظاهرات خارج سورية.

 الخيار للأكفأ

بعد رحلة طويلة كان عنوانها العمل والاجتهاد، أصبحت الدكتورة العطار نائباً لرئيس الجمهورية، وكانت أول امرأة تتولى هذا المنصب. وبينت حينها أن الاختيار رسالة داخلية للتأكيد على أن الإصلاح يسير في سورية بخطوات واثقة، رافضة في الوقت ذاته القول أنها عينت في هذا المنصب كونها امرأة، موضحة “إن الخيار يقع على الأكفأ، كما أن المرأة في وضع جيد منذ زمن بعيد.. لقد تجاوزنا المرحلة التي نتحدث فيها عن خطوات شكلية.. إنني مدينة لوطني وللسيد الرئيس بشار الأسد لدى تعييني في هذا المنصب.. إنني أعرف حرص السيد الرئيس على بناء الوطن وإحداث نهضة في مجال الثقافة وكل المجالات رغم الضغوطات الكبيرة لأن مسيرة الإصلاح ماضية”. وبعد عدة أشهر من تسلمها منصبها، أطلقت المشروع الوطني الشامل لتمكين اللغة العربية، عام 2006، للارتقاء باللغة العربية والحفاظ عليها ضد الانتهاكات والإهمال الذي كانت تتعرض له نتيجة الغزو الفكري.

 

أوراق شخصية

عن كتابها الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب (2022) الذي حمل عنوان “أوراق شخصية في بريطانيا والوطن”، والذي اختزلت فيه أوراقها الشخصية، تقول العطار: “ما أحببت يوماً أن أكتب شيئاً عن حياتي الخاصة، ولا أنشر من ذكريات الماضي، ولكن إلحاح ابني وابنتي عليّ، وبعد أن عثرا على بعض أوراقي، كان شبه ملزم لي كي أنشر بعضها.. ابنتي تقول لي: أعتقد أنه ينبغي أن يعرف تلاميذ اليوم أنك لم تصلي إلى أعلى السلم دون أن تكوني مؤهلة لذلك بما تحملينه من أفكار ومن إمكانيات ومن عقائد يرتسم فيها حب الوطن والإيمان به والحرص على السعي لكل ما يرتقي به ويسمو”.. ومن هنا، أوجزت د. العطار ببلاغتها المعروفة مفهومها للمواطن: “المناضل الجاد، أو المواطن الواعي، هو ذلك الذي يحمل إيماناً بأمته يجعله جديراً بالانتماء إليها، وإيماناً بعدالة قضيته يجعله قادراً على التضحية بحياته في سبيلها، وعلى النضال الطويل دونما تعب أو ملل لأجلها.. وشدّ ما يبئسني أن أجد أقل الناس عملاً لقضية الأمة أكثرهم وساوس وأشدهم سوداوية في تقدير المعطيات الجديدة لواقعها، وأعتقد أن جزءاً أساسياً من نضالنا الفكري في هذه الأيام يحسن توجيهه إلى محاربة هذه العقليات الجزعة التي تحسب أن النصر ثمرة خوخ ناضجة لا تحتاج إلا إلى يد كسول تمتد لقطافها، كما يحسن توجيهه للتوعية، ولخلق المناعة الذاتية ضد كل هذه السموم التي توسوس بها الإذاعات.. رؤانا يجب أن تبقى مستقبلية، مستمدة من إنساننا العربي الذي نؤمن بإمكانياته وطاقاته وعظمته، ومستمدة من شباب على خط النار يتحدون العدو والطبيعة القاسية، ويواجهون الحديد والنار والموت، ولا يمارسون ما يمارسه بعضنا أحياناً من وراء مكاتبهم المدفّأة من ثرثرة وجزع وعطالة عن العمل المفيد المنتج”.. أما في كتابها “أيام عشناها وهي للتاريخ”، فقد رصدت الأحداث التي كانت شاهدة عليها، والتي مرت على سورية والأمة العربية لنتعلم منها الدروس وتكون مرتكزاً لقراءة المستقبل”.. تقول: “اليوم ندرك حقيقة مؤامراتهم هذه، وما حملته من أخطار لم نكن نتصور أن بعضها قابل للحدوث، بل كنا نؤمن أن لدى أقطارنا مناعة تحميها من السقوط، ولم يكن في الظن أبداً أن يتفكك التضامن العربي ليحلّ محله التطبيع مع إسرائيل”. ويُعد الكتاب اليوم، وبشهادة الجميع، وثيقة تاريخية مهمة، وشهادة على أحداث جسام عاشتها العطار وأعادت استذكارها بمراجعة نقدية.

وكان آخر ما أصدرته العطار كتاب بعنوان “الرئيس الأسد.. مسيرة من البطولة والتضحيات”، وعلى غلافه كتبت مخاطبة سيادته: “التاريخ يغدو شعلة في يدك تشير إلى أن الدرب الجديد.. درب الفداء الذي اخترت هو الذي يقود إلى مشارف النور، حيث السحب الحمر تتوهج، وتوشح الدنيا بأرجوانية تنتمي إلى نجيع الشهادة. ولقد أعطيتَ من إشعاعك الفكري أبلغ ما يزهو به الوطن ويستنير، حين يقترن النصل باليراعة، في عناق الإباء والنخوة، والمعرفة المحصّنة بوعيك الكبير، وإخلاصك اللامتناهي المبني على التضحية والاستبسال، وإعلاء القيم الممهورة بجلوة باصرتك وبصيرتك، والتي في كفيك أثمرت وأزهرت وأضاءت.. كنتَ قادراً على معالجة القضايا كلها، وفي أحلك الظروف، من موقف الفهم العميق، والحكمة والنفاذ، وصولاً إلى حلول صحيحة وسديدة، تكفل النصر وتدرأ الكارثة، وتعمق المشاعر الوطنية، وتذكي الشجاعة، وتدفع إلى التضحية، وبها تستعلي البطولات، وظلت كلماتك البليغة جذوة متقدة تلهم وتلهب وتنير، وتبقى في أيدينا وثائق كفاح، ورسائل تنوير، ومشعل ريادة، ومنبر حق، ومنارة للسائرين بعنفوان العزيمة، وشجاعة الإرادة، إلى حيث يدعو الواجب تلبية لنداء الوطن.. وكما أزحتَ رماد المحنة، وفتحتَ صفحات التاريخ، ليتعانق اللهب والمجد، والبسالة والشهادة، ولتستعيد الشآم سيرتها الأولى، وكان لك الدور البهي القيادي الذي رسمت به أجمل أمثولة”.

وعي سياسي مبكر

عندما كانت طالبة في الصف الرابع الابتدائي حرّضت زميلاتها في مدرسة التطبيقات للمشاركة في تظاهرة احتجاجاً على سلطة الانتداب الفرنسي، بداية الأربعينيات، واستمرت بذلك إلى ما بعد نيل الاستقلال، وألقت أمام بناء السرايا في ساحة المرجة خطاباً حماسياً في الجماهير الغفيرة التي تظاهرت، عام 1948، عقب النكبة، وهي التي كانت معروفة بفصاحتها وثقافتها ونضوج وعيها السياسي المبكر. وفي العام 1954، تخرجت من كلية الآداب، والتقت في العام ذاته بالشاب الطبيب، ماجد العظمة، الذي تزوجته ورافقته إلى بريطانيا، وهناك أتمت دراستها العليا ونالت درجة الدكتوراه بمرتبة شرف من جامعة أدنبرة، وكانت قد حصلت على دبلوم في التربية العامة، 1955، من جامعة دمشق، وعلى عدد من الشهادات بعد ذلك في العلاقات الدولية، وفي النقد الأدبي والنقد الفني. وحينما عادت من بريطانيا، ورغم مكانتها الاجتماعية وقيمتها النضالية، لم يتقبل آنذاك رئيس جامعة دمشق دخولها ميدان التدريس الجامعي لأنها امرأة، فعملت في التدريس في التعليم الثانوي إلى أن انتقلت إلى وزارة الثقافة والإرشاد القومي، عام 1962، لتعمل في مديرية التأليف والترجمة، إلى جانب أنطون مقدسي وأنطون حمصي وحنا مينة، وقد تسلمت إدارة المديرية لاحقاً، وكانت أول امرأة تتولى إدارة التأليف والترجمة في الوزارة، واستطاعت الانتقال بالمديرية من حال إلى حال، إلى أن اختارها القائد حافظ الأسد لمنصب وزيرة الثقافة.

كلمات ملونة

كتبت الدكتورة العطار في الأدب والنقد والسياسة، من كتبها: “المختار من التراث العربي”، “الروايات العالمية”، “أدب النهضة”، “نكون أو لا نكون”، “من يذكر تلك الأيام”، “أدب الحرب” “أسئلة الحياة”، “من مفكرة الأيام”، “كلمات ملونة”، “إسبانيا وهمنغواي والثيران”، “النسيج الثوري بين آذار وتشرين”.. ونالت ميدالية الشرف من رئيس جمهورية تشيلي، عام 2004، ووسام الكنز المقدس ذا الوشاح الكبير بأرفع درجاته من إمبراطور اليابان، عام 2002، ووسام الاستحقاق برتبة الضابط الكبير من الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، عام 1983، ووسام الصداقة بين الشعوب من الاتحاد السوفييتي ووسام الثقافة من بولونيا.

من أقوالها

– إن الإنسان، ولا شيء غيره، هو الحقيقة الكبرى في الحياة، وهو الذي يخلع على الجمادات رؤى مؤنسنة.

– من الطبيعي أن هناك ثقافة وثقافة، وأن ما يحتاجه واقعنا، وعصرنا، ومستقبلنا، هو ثقافة وطنية تأخذ أفضل ما في التراث وتزاوج بينه وبين أفضل ما في الحداثة، وتصنع من ذلك ثقافة تقف بثبات إلى جانب التحرر والتقدم والتطور الاجتماعي، وترى في الإنسان غايتها فتعمل على بنائه بناء فكرياً صحيحاً كما أن عليها أن تقف وتكافح ضد الثقافة الأخرى، الاستعمارية المعادية.

– متى كان الأدب منفصلاً عن السياسة؟ صحيح أن الأدب غير السياسة ولكن الأدب بطبيعته يعبر عن سياسة، وعن وظيفة اجتماعية، وهذا ما يغيظهم منه، ولهذا يريدونه أن يتشرنق، وأن يختنق في فرديته وذاتيته وتفاهته الناتجة عنه.

– لنفرق بين الإلزام والالتزام.. إنني ضد الإلزام ومع الالتزام، وهذا لا يحد من تعملق المثقف، بل يساعده على أن يكون عملاقاُ بالفعل.. وبكلمة أخرى: ليس من مثقف أو ثقافة بغير موقف وعلى هذا فالثقافة الملتزمة التي تخدم حركة التاريخ في عملية التغيير نحو الأفضل هي التي تخلق الإنسان ذا الأفق العالمي لأن حركة التاريخ عالمية بطبيعتها، وخاصة في عصرنا.

– حين اختارني الرئيس حافظ الأسد لأكون أول وزيرة في تاريخ سورية وللثقافة، بالتخصيص، ودعاني لمقابلته، كنت أحسب أن هذا اللقاء سيجعلني أستمع إلى قائد سياسي وعسكري كبير يرسم حدود العمل الذي نشتاق إلى التعرف إليه أكثر فأكثر.. ‏لكن مفاجأتي كانت كبيرة حين بدأ يحدثني عن تصوراته لاستراتيجية ثقافية بعيدة الأغوار، وعن إيمانه بأن الرهان على الثقافة يكون في وجه غزو الثقافات الوطنية، وبغية السيطرة عليها، وعن ضرورة توفير المقومات لنهضة فكرية نحتاجها، مع احترام الجوهر التاريخي لوجودنا الوطني والقومي، في فضاء رحب من الوعي المتنامي.‏