مجلة البعث الأسبوعية

خطة بائسة لإخضاع روسيا وتفكيكها

البعث الأسبوعية- عناية ناصر

على الرغم من أن روسيا لم تؤذ الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة كانت تخطط لتدميرها منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حيث بدا ذلك جلياً من خلال الحرب الباردة، ولاحقاً من خلال التخطيط للانقلاب في أوكرانيا منذ حزيران 2011، وتنصيب حكومة معادية لروسيا. ولتحقيق تلك الغاية، قامت الإدارة الأمريكية  بتنفيذ الانقلاب في أوكرانيا والإطاحة بالرئيس الموالي لروسيا والمنتخب ديمقراطياً فيكتور يانوكوفيتش، واستبداله بالرئيس الموالي للغرب والمعادي لروسيا فولوديمير زيلينسكي.

كانت الفكرة من وراء هذا الانقلاب جعل أوكرانيا مناهضة لروسيا بحيث يمكن قبولها في الناتو، كما كان الهدف الرئيسي من وراء الاستيلاء على أوكرانيا هو وضع صواريخ نووية أمريكية على حدود روسيا، بحيث لا يستغرق قصف موسكو بالأسلحة النووية سوى 5 دقائق طيران فقط. والفكرة من وراء ذلك هي أنه إذا تم ذلك بهذه السرعة ، فسوف يتم تدمير القيادة والسيطرة الروسية بشكل استباقي قبل أن تتمكن روسيا من الرد على ذلك. وبمجرد أن يتم  تحييد روسيا، ستضطر إلى الانصياع للهيمنة الأمريكية، وستصبح من وجهة نظرها دولة تابعة للولايات المتحدة مثل المملكة المتحدة ودول أوروبا الغربية الأخرى، وبعد ذلك سيتم السيطرة على مواردها الهائلة كي تستغلها القوى الغربية وتستفيد منها.

تنظر الولايات المتحدة والدول الأوروبية إلى روسيا، كما فعل هتلر في عام 1941، على أنها ساحة واسعة للنهب، فمن خلال مزيج من الحرب والاضطراب الداخلي تسعى الدول الإمبريالية إلى التحريض على تفكك روسيا، وبذلك ستتمكن الولايات المتحدة، وفق خطتها الشيطانية، من السيطرة على دول العالم.

أما السبب الآخر الذي يجعل الولايات المتحدة تخشى روسيا وتكرها، هو أن واشنطن تستمد قوتها العالمية من خلال سيطرتها وهيمنتها على الدولار الأمريكي، حيث أصبح العملة الاحتياطية العالمية، الأمر الذي مكّن واشنطن من تكديس عجز فاحش لا يعكس بأي شكل من الأشكال القدرة الإنتاجية الحقيقية لأمريكا. يعتبر الدولار الأمريكي العملة المهيمنة المستخدمة في معظم التداولات الدولية منذ أن حل محل الجنيه الاسترليني في عشرينيات القرن الماضي، كما يتم تسعير السلع الرئيسية مثل النفط والغاز والذهب والمعادن الأساسية والمنتجات الزراعية ودفع ثمنها عالمياً  بالدولار، الأمر الذي أدى إلى زيادة الطلب العالمي على الدولار، و زيادة قيمته بشكل هائل، وبالتالي خلق طلب قوي على سندات الخزانة الأمريكية. مكن هذا الوضع الحكومة الفيدرالية الأمريكية من طباعة مليارات الدولارات، والاقتراض دون حدود، والإنفاق دون مبالاة، حيث منحت هيمنة الدولار لأمريكا قوة عالمية كبيرة، لكنها الآن، كما لم يحدث من قبل، مهددة بسبب تحدي  روسيا والصين ودول أخرى لهيمنة الدولار.

واليوم تعمل روسيا والصين بشكل كبير على تخفيض استخدامهما للدولار، حيث كانتا تقومان  بإجراء حوالي 90 ٪ من تجارتها الثنائية بالدولار في عام 2015، ولكن منذ بداية الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، انخفض ذلك إلى 46 ٪ ، و تراجع بسرعة أكبر لدرجة أن  حلفاء الولايات المتحدة وأصدقائها بدأوا التداول بعملاتهم الوطنية عندما يناسبهم الأمر.

تسارعت عملية “فك الدولرة” منذ الحرب الأوكرانية الروسية، فالعمليات التجارية  بين روسيا والهند، والتي تبلغ قيمتها مليارات الدولارات، تتم الآن بالروبل والروبية، وهذه هي بداية نهاية الدولار كعملة احتياطية للعالم. كما أدى استخدام أمريكا المتزايد للعقوبات الشديدة ضد الدول التي لا تلتزم بإملاءاتها، إلى تغذية هذا الاتجاه حيث تسعى الدول إلى إيجاد طرق وبدائل جديدة لتمويل صفقاتها التجارية دون قدرة واشنطن على مصادرة أموالها.

وفي هذا الخصوص قالت أنورادها تشينوي، العميد السابق لجامعة جواهر لال نهرو للدراسات الدولية في نيودلهي: “بدأت الولايات المتحدة، من خلال استخدامها المستمر للعقوبات، تلحق الأذى بنفسها قبل غيرها. لذلك، تدعم الولايات المتحدة أي انقلاب، أو ثورة ملونة، أو القيام بأعمال عدائية، أو استخدام القوة العسكرية الوحشية ضد أي دولة لا تمتثل لاملاءات واشنطن، وترفض ممارسة لعبة الدولار”.

لقد شهد العالم ما فعلته واشنطن في العراق وليبيا ودول أخرى كثيرة رفضت هيمنة الدولار، لكن الولايات المتحدة لا تستطيع مهاجمة روسيا بشكل مباشر، لذلك قامت بشن حرب بالوكالة في أوكرانيا، وتقديم الشعب الأوكراني كقرابين في هذه الحرب إنه لأمر مضحك بالفعل ادعاء الولايات المتحدة ودول الناتو أنها منخرطة في “الدفاع عن الديمقراطية”، وضد “العدوان الأجنبي”، وأن إدارة بايدن تدافع عن السيادة الوطنية لأوكرانيا ضد “العدوان الأجنبي”.

هذه الديمقراطية الأمريكية المزعومة، والدفاع عن سيادة الدول تبدت من خلال الدول التي غزتها أو قصفتها خلال الثلاثين عاماً الماضية، وهي بنما، والكويت، والعراق، والصومال، وهايتي، والبوسنة، والسودان، وأفغانستان، ويوغوسلافيا، واليمن، وباكستان، وليبيا، وسورية. بالاضافة إلى قيامها -منذ الحرب العالمية الثانية- بتدمير أكثر من 50 دولة ديمقراطية أو حركات ديمقراطية حول العالم.

ولتحقيق الانتصار في الحرب العالمية الثالثة، تحتاج الإدارة الأمريكية إلى الاستمرار في خداع مواطنيها كما فعلت قبل غزو العراق في عام 2003، ودائماً ما تكون وسائل الإعلام “الشركاتية” الرئيسية في أمريكا شريكاً مستعداً للانخراط والمشاركة، ولهذا السبب قاموا بشيطنة العراق، وليبيا، وإيران، وروسيا، والصين. لكن بالنسبة للمراقب الذكي الذي يشكك في كل ما يراه على التلفزيون الأمريكي أو يقرأ في الصحف الرئيسية، يدرك أن  كل شيء قد تم قولبته بشكل  يتناسب مع سياسة الإدارة الأمريكية، إذ منذ أن بدأت العملية العسكرية الروسية الخاصة، عملت جميع وسائل الإعلام الإخبارية على إدانة روسيا، لكن لم ينتقد أياً منها سياسة الولايات المتحدة تجاه روسيا والتي أدت إلى الحرب. كما أن أخبار الاحتجاجات الحاشدة ضد ارتفاع أسعار الغاز في ألمانيا وفرنسا، والآلاف الذي  يتظاهرون مطالبين الحكومة الفرنسية بالخروج من الناتو، يتم التعتيم عليها، ولا يتم  تداولها عبر وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية.

لذلك، ما دام الأمريكيين يصدقون ما تروج له وسائل إعلامهم، ستستمر جرائم الولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم!.