دراساتصحيفة البعث

لولا دا سيلفا.. انتصار لليسار اللاتيني

ريا خوري

مع فوز الرئيس لولا دا سيلفا في انتخابات الرئاسة البرازيلية، احتشد عدد كبير من أنصاره باللون الأحمر، وهو اللون المميّز لحزب العمال الذي ينتمي إليه، في ساحة باوليستا الرئيسية في ساو باولو.

لقد عرف جميع الذين عاصروا الرئيس البرازيلي دا سيلفا في انتخاباته وجولاته كرئيس للبرازيل، على مدى دورتين انتخابيتين جرتا بين العامين 2002 و2010، أنه زعيم لتيار يساري يفرض نفسه بقوة، ويعيد تجديد ما بات يُعرف برياح اليسار التقليدي التي انحسرت ووهنت عقب سقوط حلف وارسو، وتفكك الاتحاد السوفييتي السابق. وبذلك يكون قد نجح أيضاً باقتدار في أن يعيد الخصوصية التاريخية والبيئة الجغرافية لمنطقة أمريكا اللاتينية التي تُعرف باسم “اليسار اللاتيني” الذي يحمل مشاريع تقدمية في خاصرة الولايات المتحدة الأمريكية.

لقد أكّد العديد من كبار السياسيين البرازيليين أنه، بعد فوز لولا دا سيلفا، يجب البدء في إجراء حوار مع أولئك الذين لم يصوّتوا للرئيس، لأنه لا بد أن يكون الرئيس البرازيلي لجميع البرازيليين.

لقد تفوّق دا سيلفا على جميع أقرانه من زعماء اليسار اللاتيني في أمريكا اللاتينية، خاصةً وأن سيرته الذاتية تؤكد أنه انتقل إلى العمل النقابي بشكلٍ قوي وجاد، ابتداء من عام 1967، وتولى مسؤولية نائب رئيس نقابة عمال الحديد جنوبي العاصمة البرازيلية ساو باولو، ثم انتخب رئيساً لها، عام 1978، وانخرط بعد ذلك في المجال السياسي عقب تأسيسه حزب العمال البرازيلي الذي خاض أول انتخابات برلمانية.

وقد لعب الرئيس دا سيلفا دوراً كبيراً في النهوض باقتصاد البرازيل بشكلٍ قوي، وتحقيق العدالة الاجتماعية والإنسانية، وتحديث القوات البرازيلية المسلحة. وبهذا المسار الممنهج أخذ ينسج خيوط قوته وأسطورته السياسية التي توّجها بالترشح للانتخابات الرئاسية المرّة تلو الأخرى عام 1989، ثم عامي 1994، 1998 من دون أن يحالفه الحظ بالفوز بالرئاسة، لكن ذلك لم يمنعه عن مواصلة مشواره الطويل والشائك، وجاء فوزه بالأغلبية في انتخابات تشرين الأول عام 2002، ومن ثم في تشرين الأول 2006، حتى عام 2010. ولمدة عشر سنوات متتالية حقق الرئيس دا سيلفا للبرازيل ما يفوق الخيال، وجعلها بشكلٍ عملي وفعلي أسطورة أمريكا اللاتينية، لكن مواجهته القوية والجادة مع الاحتكارات العالمية في بلاده، وحفاظه على الثروة الوطنية، وتصفية الاحتكارات التي حرمت الشعب من حقوقه، حركت القوى اليمينية الطامعة والمستغلة، والقوى الموالية المستفيدة من تلك الاحتكارات، والتي ساهمت في نهب خيرات البلاد، ليس لإسقاطه وتنحيته فقط، بل تلفيق تهم له بالفساد كان الهدف الأساسي منها استئصال موجة اليسار داخل البرازيل التي باتت قوية وحاضرة في المشهد السياسي البرازيلي، ومن داخل قارة أمريكا اللاتينية، من خلال تدمير شخص دا سيلفا، وإيداعه السجن مدة عامين (2018- 2019) إلى أن برأه القضاء البرازيلي، ليخرج ويجدّد نضاله الوطني مرة أخرى، ويعود إلى زعامة حزب العمل البرازيلي، وبالتالي الفوز بولاية رئاسية ثالثة، فهل تتجدّد القارة اللاتينية؟.

هذا هو السؤال الأهم في هذه المرحلة، خاصة وأن الشعب البرازيلي متلهف لذلك، ويطمح لتحقيق تلك الإنجازات، وأن قارة أمريكا اللاتينية التي تقع في خاصرة الولايات المتحدة مهيأة لنهوض يساري قوي متكاتف مع البرازيل.

لقد عانت البرازيل عدداً كبيراً من المشكلات الاقتصادية، حيث إن معدلات التضخم المالي ارتفعت بقدر كبير جداً، ما أدى إلى تراجع مستوى اقتصاد الدولة، وارتفاع نسبة البطالة والفقر والحرمان والمجاعات، ولكن بعد أن أصبح لولا دا سيلفا رئيساً ستحدث تحولات كبيرة جداً في اقتصاد بلاده، وذلك بفضل الخطط والمشاريع والنهج الذي سيضعه لبناء الدولة، وترميم ما لحقها من خلل كبير، وهذا النهج وتلك الخطط والمشاريع تتمثل في الديمقراطية والسياسة المتوازنة المبنية على أسس وقواعد قوية بين البرامج الاجتماعية للأسر الفقيرة، إلى جانب التصنيع الكثيف والتصدير، وذلك اعتماداً على عدد غير قليل من الشركات الضخمة والشركات العملاقة. وبفضل هذا المنهج وتلك الخطط، لا شك أن البرازيل ستحتلّ مرتبة عالية في الاقتصاد على المستوى العالمي.

في الماضي، استطاع لولا دا سلفيا إخراج أكثر من عشرين مليون مواطن من تحت خط الفقر، وتحسين حالتهم الاجتماعية والمادية، وهو اليوم قادر على النهوض بالبلاد مرة ثانية على الرغم من انهيار جزء من اقتصاد البرازيل.