مجلة البعث الأسبوعية

أزمة نقل خانقة في القنيطرة تفاقمها الفوضى وتقصير المعنيين والجميع بانتظار “GPS”

البعث الأسبوعية – محمد غالب حسين

عشرات الركاب من أبناء محافظة القنيطرة، كانوا في مركز انطلاق السومرية يصل سرفيس القنيطرة، يتراكض الركاب متدافعين نحوه، يزيد سرعته بعيداً عن موقف القنيطرة، يقول ضاحكاً : ( مالي طالع . ما في مازوت).

جاء سرفيس جديد، تراكضنا نحوه، بدأ بالصعود أولاً من استطاع دفع الركاب يمنة ويسرة، ليفوز بمقعد، لكنه صاح مذعوراً ( ما في كراسي وين بدنا نقعد)، وعرفنا أن السائق يقوم بتصليح مقاعد السرفيس، واقتلعها جميعاً من أجل ذلك. ضحكت على نفسي وعلى الركاب. لكن ما أرّقني أن أغلبهم صعدوا للسرفيس، وافترشوا الأرض مرددين القول المأثور : مكره آخاك لا بطل.

جاء سرفيس آخر، وقف فجأة فصاح السائق بحدّة ( مافي سرافيس . ماعم يعطونا مازوت. لو سمحتو خمسة ركاب بالكرسي الأخير وأربعة بكل كرسي . اللي مابدو مايطلع)!!!!. سيدة بدينة ضحكت، ابتعدت، قالت : ( والله أنا بدي مقعدين لحالي)، واستغربتُ مرة ثانية عندما بدأ الركاب يتحاشرون متخلّين عن إنسانيتهم في ظل غياب وسائل النقل، وعدم ضبطها من قبل المعنيين بمحافظة القنيطرة.

وأخيراً إن أرقام السرافيس محفوظة لدينا لمن يبحث عن خدمة المواطنين.

هذا المشهد الذي عاينته بنفسي، وجدته المدخل المناسب للحديث عن أزمة النقل الخانقة بمحافظة القنيطرة والتي تتضح مرتساماتها يومياً على (٥٥٦٥) طالباً وطالبة يدرسون بالكليات الجامعية بمحافظة القنيطرة، ومئات الطلاب الملتحقين بمعاهد : الرياضيات واللغة الفرنسية واللغة الانكليزية والعلوم العامة، والتقاني التجاري، والتقاني الصناعي، والتقاني الزراعي، والتربية الفنية وأخيراً التربية الموسيقية ناهيك عن ثانوية المتفوقين بمدينة البعث التي تضم طلاباً من أغلب قرى المحافظة فضلاً عن مئات الموظفين والعاملين الذين يتجهون من القنيطرة لدمشق يومياً.

انتظار مقيت طويل

ففي مركز انطلاق خان أرنبة ينتظر عشرات المواطنين أكثر من ساعة لقدوم أحد السرافيس، فيتسابقون إليه في منظر منفر، ويتكرر هذا المشهد يومياً من الساعة السابعة صباحاً حتى العاشرة وهذا الواقع ينطبق على الركاب المنتظرين بمركز انطلاق السومرية حيث نشاهد منذ الساعة السادسة صباحاً مئات طلبة المعاهد والجامعات ينتظرون وسيلة نقل، ليصلوا كلياتهم ومعاهدهم دون تأخير، كما تبدأ المعاناة للمواطنين بمركز السومرية أيضاً من الساعة الثانية عشرة ظهراً، وتمتد حتى الساعة الخامسة مساء دون جدوى.

نقل خاص

مدير نقل محافظة القنيطرة محمد زيتون أوضح أن هناك 356 سرفيساً مسجلاً على خط دمشق القنيطرة والخطوط الداخلية بالمحافظة، وهناك شركة نقل خاصة تعمل على خط دمشق القنيطرة، وبعض باصات مجلس مدينة القنيطرة التي تؤدي دوراً مهماً عبر تدخلها الإيجابي عندما تبلغ معاناة النقل ذروتها. لكن هذه الأرقام نظرية توثيقية مسجلة بأرشيف مديرية النقل فقط، ولا وجود لها على الواقع، فكثير من السرفيس تركت خط دمشق القنيطرة، وتمّ فرزها لخطوط سير بريف دمشق، ومنها متعاقد مع جهات عامة وخاصة، وبعضها يحصل على مادة المازوت المدعوم، ولا يعمل على الخط، لأن هناك من يغضّ البصر عنه بعد أن يبيع المازوت المخصص له.

فاقمت الأزمة

نقابة عمال النقل البري المعنية بتنظيم الدور وتسيير السرافيس وتعيين مراقبي الخط في السومرية وخان أرنبة، لا حول لها ولا قوة، ولا تمتلك الصلاحية لتنفيذ المقترحات التي ترتقي بواقع النقل بالمحافظة، كما أشار رئيسها ياسر الجاسم الذي طالب بإنهاء فرز جميع السيارات المسجّلة على خط دمشق القنيطرة، وإلزامها بالعودة لخطها وعدم تقديم مادة المازوت المدعوم إلا للسيارات العاملة على الخط فعلياً، وضرورة تحديد سيارات مناوبة تعمل حتى الساعة السابعة مساء على خط دمشق القنيطرة وجميع الخطوط الداخلية بالمحافظة، داعياً لإلزام جميع السرافيس بالوصول إلى نهاية خطها، وعدم السماح لها بالتوجه إلى دمشق إن لم تؤكد وصولها لنهاية الخط عبر ختم الدفتر من مخفر الشرطة هناك.

وأوضح رئيس نقابة عمال النقل البري أن السرافيس المسجلة على خط دمشق القنيطرة تستطيع أن تؤمّن جميع الركاب لو تمّ ضبطها ومراقبة عملها، فلا يوجد خط اسمه دمشق خان أرنبة، لأن سرافيس القنيطرة موزعة بشكل عملي لتغطية جميع الخطوط .

            

الحل سهل

لقد أجمع عشرات المواطنين الذين تحدثنا معهم خلال إعداد هذا التحقيق على أن الحل ليس عسيراً، بل هو سهل وميسور إذا توفرت النوايا، وتعاونت جميع الجهات الفاعلة بالنقل والمرور كلجنة نقل الركاب ومديرية النقل وشرطة المرور ونقابة عمال النقل البري. ويكمن الحل بقمع كل التجاوزات والشفاعات، وإلزام السرافيس التي تحصل على المازوت المدعوم بالوصول لنهاية خطها المسجل بميكانيك السرفيس عبر ختم سجل الركاب من مخافر الشرطة في نهاية كل خط إضافة لحجز كل سرفيس يتغيب عن الخط لأكثر من ثلاثة أيام دون عذر مبرر كإصلاح السرفيس، وإلغاء تسجيل السرفيس بمديرية نقل القنيطرة إذا زادت مدة غيابه عن شهر دون إذن مسبق من الجهات المعنية، وإنهاء فرز كل سرافيس القنيطرة لخطوط خارج المحافظة.

 

معاناة قرى

 من يتسنى له مراقبة مئات الركاب المجتمعين ببلدة خان أرنبة منتظرين وسيلة نقل لقرى جبا ومسحرة وأم باطنة وممتنة ونبع الصخر، يشعر بالأسى والحزن، ويتأكد من فشل المعنيين بمرفق النقل على تنظيم السرافيس والباصات العاملة على خط دمشق القنيطرة.

ويلاحظ المتابع المنظر ذاته أي عشرات الركاب المنتظرين للذهاب إلى رويحينة وبئر عجم وبريقة وكودنة والقحطانية والأصبح وغدير البستان وصيدا والرفيد وسويسة وعين التينة وقرقس وقصيبة بالريف الجنوبي للمحافظة.

أما سكان مدينة البعث وقرى الحميدية والحرية ورسم أبو شبطة ورسم الرواضي والصمدانية الغربية ومدينة القنيطرة، فتغيب وسائط النقل عنها بعد الساعة الثالثة عصراً. لذلك يضطر المواطن مكرهاً لدفع أكثر من سبعة آلاف ليرة أجرة تكسي لمدينة البعث، وتسعة آلاف لقرية الحميدية، وعشرة آلاف لرسم أبو شبطة وقرية الحرية والصمدانية الغربية ومدينة القنيطرة، كما أكد المواطنون فوزي محمد وأحمد طه وعلي السعد ومنصور الأحمد، لأن سيارات التكسي بالمحافظة ترفض تشغيل العدادات، وتعمل حسيب أو رقيب يقمع جشعها الكبير!!.

وخلال الدوام يوجد بضعة سرافيس تعمل على خط خان أرنبة مدينة البعث وتخالف التعرفة المحدّدة أمام بصر وسمع جميع المعنيين، وتأخذ مئتي ليرة أجرة الراكب بينما التعرفة المحدّدة من قبل المكتب التنفيذي للمحافظة ثمانون ليرة فقط. ومع ذلك تغيب هذه السرافيس جميعها عن الخط خلال يومي الجمعة والسبت، وبعد الساعة الثالثة في باقي الأيام؛ لتعمل على خطوط أخرى كما يحلو لها كما ذكر المواطنون الذين يقعون فريسة جشع سيارات التكسي.

 دور المواطن

مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك المهندس حمدي العلي تحدث عن تنظيم مئات الضبوط التموينية بالسرافيس المخالفة باستيفاء زيادة عن التعرفة المحددة أو عدم الإعلان عن التعرفة، لكنه تمنى مزيداً من التعاون من قبل المواطنين بالإبلاغ عن أي مخالفة تتعلق بزيادة التعرفة المحددة عبر الاتصال الهاتفي، وذكر رقم السرفيس وخطه ، لتتم مخالفته أصولاً. وأشار لضرورة قيام المواطن بتقديم شكوى للمديرية عندما يستوفي السائق أية زيادة على التعرفة المقرّرة، لتتمكن من ضبط المخالفة وتحرير الضبط التمويني اللازم.

يُشار أن تعرفة دمشق القنيطرة (٩٠٠) ليرة، ويطلب السائق ألف ليرة بينما تعرفة الركوب من خان أرنبة لمدينة البعث ثمانون ليرة فقط، لكن السائقين فرضوا تعرفتهم البالغة (٢٠٠) ليرة، وهذا ينطبق على كل الخطوط داخل المحافظة دون استثناء، أما تعرفة الشركة الخاصة فحُدّد ب (١٥٠٠) ليرة سورية، ويراها المواطنون باهظة وغير مدروسة مع أن خط سير بولماناتها من السومرية لخان أرنبة فقط.

بانتظار (GBS)

 لم تقم الجهات المعنية بتركيب أجهزة (CBS) للسرافيس العاملة على خط دمشق القنيطرة والخطوط الداخلية بالمحافظة لضبط حركتها وبيان وجهتها، لكن وجود مراقبَين للخط الأول في مركز انطلاق خان أرنبة والثاني في مركز انطلاق السومرية يستطيعان ضبط حركة سير السرافيس إذا عملا بشكل جيد، ولم يغضا البصر عن السرافيس المخالفة .