مجلة البعث الأسبوعية

فوضى المصطلحات : هل هناك حرب عادلة وأخرى غير عادلة ؟؟

د. مهدي دخل الله

لا .. لا يوجد!!  كل الحروب ظالمة بما في ذلك الحرب التي يسمح بها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، المادتان / 43 و 44 /، والتي تسمى ” حرباً شرعية ” نسبة إلى الشرعية الدولية .. عندما يتم تطبيق هذه المادة ضد دولة تهدد السلام العالمي لا يمكن تسميتها حرباً وإنما عملية لمواجهة التهديد.

الفرق بين مصطلح الحرب ومصطلح العملية الخاصة هو في أن الحرب لا يوجد فيها اعتبارات انسانية ، وإنما هي قتل وتدمير وعدوان ، بينما العملية تلتزم بالاعتبارات الإنسانية ، وتستخدم العنف عند الحاجة القصوى فقط . كما أن الحرب هدفها السيطرة ، أما العملية فهدفها إعادة الوضع الطبيعي.. ( وسأوضح في نهاية المقال العملية الروسية في الدونباس ) .. المشكلة هي أن من يستخدم مصطلح الحرب العادلة يقع في مطب الإيديولوجيا ، لأنه يؤمن بعدالة حربه لأن هذه الحرب تناسب مواقفه الإيديولوجية . والإيديولوجيا تفرق بين البشر والشعوب كافة ..

أول من أنكر مصطلح الحرب العادلة هو المفكر السلوفيني إدوارد كارديل ، في سبعينيات القرن الماضي . ثم ظهر هذا المصطلح من جديد لتبرير عدوان بوش على العراق /2003/ بسبب الادعاء أن الولايات المتحدة تنقذ البشرية من خطر ما سمي بأسلحة الدمار الشامل . كان موقف ريتشارد هاس ، رئيـــس مجلــس العلاقــات الخارجيــــة الامريكيــــــة ، التبريري لافتاً إذ اعتبر أن الحرب عادلـة عندمـا تكــون استجابــة لما أسمـــاه ( الضرورة ) . فالضرورات تبيح المحظورات كما هو معروف .

تكمن المشكلة في تعريف ( الضرورة ) . ما هو مستندها الفكري ؟ أي معيار موضوعي يمكن أن يقول أن الحرب هنا ( ضرورة ) وهناك ( اختيار) ؟ هنا نقع في مطب الإيديولوجيا والتقدير المستند إليها ..

وماذا عن ( حرب التحرير ) و ( حرب مواجهة العدوان ) ؟؟؟.. المشكلة هنا في المصطلح .. هذه ليست حروباً .. إنها مقاومة . ليست الحرب مصطلحاً تقنياً حتى يمكن استخدامه في الحالات كلها . إنه مصطلح سياسي إيديولوجي بامتياز .. مقاومة العدوان ليست حرباً ، إنها في مواجهة الحرب ، أي أنها ليست ظلماً في مواجهة ظلم . لا يمكن أن نسمي مقاومة سورية ضد الحرب حرباً ، ولا مقاومة مصر ضد العدوان الثلاثي /1956/ حرباً .. إنها مقاومة الحرب ..

لم يعلن بوتين الحرب على أكرانيا ، ولم يصف حركته بأنها حرب . إنها ( عملية خاصة ) لتحرير الدونباس الروسية والمناطق الأخرى ، واستجابة لطلب جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك اللتين تتعرضان لعدوان أكراني . إنها ( عملية خاصة ) ضد الحرب ، لذلك فهي مقاومة ضد العدوان ، وهي كذلك نتاج انهيار الاتحاد السوفيتي وتقسيمه إلى دول متعددة ، عندما كانت موسكو ضعيفة في عهد غورباتشوف ويلتسن ..

في سورية لا توجد حرب عادلة ضد حرب ظالمة ، أي لا توجد حرب ضد حرب .. توجد مقاومة ضد حرب ، مهما كانت مضامين هذه المقاومة بما فيها استخدام الجيش النظامي .. وتحرير جنوب لبنان لم يكن ( حرباً ) ضد العدو ، وإنما هي مقاومة احتلال وعدوان . وهذا الإيضاح الضروري يعطي المصطلحات مضمونها ، ويمنع تبرير العدوان ، فأمريكا رأت في حروبها العدوانية في العالم حروباً ( عادلة ) .. إنها حروب فقط . أما المقاومة فلا يمكن أن تكون إلا عادلة. وبما أنه لا يمكن أن تكون هناك حرب عادلة ، فإنه لا يمكن وجود مقاومة غير عادلة .

 

mahdidakhlala@gmail.com