رأيصحيفة البعث

هل تعترف واشنطن بعجزها في إيران؟

 

طلال ياسر الزعبي

ليس غريباً أن يتم استهداف إيران بهذه الطريقة المركبة، فهذا البلد اعتاد على مدى ثلاثة وأربعين عاماً، هي عمرُ الثورة الإسلامية المباركة فيه، على الوقوف في عين العاصفة، ليس لشيء إلا لأن ثورته هذه قضت على التبعية العمياء للغرب أثناء حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي كان شرطيّ واشنطن في المنطقة، ورفعت راية تحرير فلسطين من الكيان الصهيوني الغاصب، ودعمت حركات التحرر في العالم، كما تمكّنت من إغلاق وكر التجسس الأمريكي في طهران وحوّلته إلى سفارة لفلسطين المحتلة، وأعلنت يوماً عالمياً لدعم تحرير بيت المقدّس في الجمعة الأخيرة من رمضان سمّته “يوم القدس” الذي يحييه العالم الإسلامي كل عام.

ومعلوم أن إيران هي أحد أضلاع محور المقاومة القوي في المنطقة، وأن استهدافها هو استكمال، بطبيعة الحال، لاستهداف أضلاع المحور الأخرى من سورية إلى لبنان وفلسطين فالعراق واليمن، ولا يستطيع المرء الفصل بين الأهداف المرجوّة من استهداف هذه الدول، إذ هي تمثل الحاجز الطبيعي الوحيد المتبقّي أمام تنفيذ أحلام الصهاينة في المنطقة، وهي إقامة كيان يكون نواة للسيطرة على العالم من خلال تحكمه بهذه المنطقة الحساسة التي هي صلة الوصل بين قارات العالم الثلاث.

فاستهداف إيران جاء بالدرجة الأولى لأنها تقف حاجزاً منيعاً أمام أحلام الصهيونية، ولأنها كانت ظهيراً قوياً لكل من فلسطين وسورية ولبنان والعراق واليمن، التي رفضت أن تكون ممرّاً للحلم الصهيوني في المنطقة والعالم.

وما يهمّنا الآن هو أن الولايات المتحدة، كعادتها، وبعدما عجزت عن تحقيق ما تريده في سورية طوال عشر سنوات، باستخدام جميع أنواع الحروب، من الدعاية والتضليل واستخدام المرتزقة وإثارة الفتن الطائفية والمذهبية والنزاعات والقتل والحرب الاقتصادية القذرة، تحاول إسقاط هذه الأساليب القذرة على الساحة الإيرانية، ظنّاً منها أن ما لم تستطع الحصول عليه من دمشق ستفلح في اقتناصه من طهران، فعملت بهدوء على إدخال المرتزقة عبر شمال العراق و”داعش” التي أعادت تصديرها إلى أفغانستان، مستفيدة من منظمة “مجاهدي خلق” الإيرانية التي تتخذ من ألبانيا مقرّاً لها وتمارس أعمال تجنيد المرتزقة في الداخل الإيراني للقيام بأعمال شغب وتدمير للبنى التحتية وصولاً إلى الفوضى التي تمكّنها من تمرير السلاح إلى الداخل وصناعة فتنة بين مكوّنات الشعب الواحد.

غير أن حكمة القيادة في إيران، وفطنة أجهزة الاستخبارات والأمن الإيرانية، فوّتت الفرصة على واشنطن وعملائها في المنطقة، الذين قاموا على غرار ما فعلوه في سورية بتمويل أعمال الشغب وضخّ الأموال بسخاء كبير لشراء الولاءات وتجنيد مرتزقة من الداخل لتنفيذ المخطط الشيطاني القاضي بضرب جميع المقدسات في المجتمع الإيراني، في محاولة لتدمير النظام الإسلامي القائم في إيران وإحلال نظام عميل شبيه بنظام الشاه بعد تدمير جميع منجزات الثورة الإسلامية في هذا البلد على جميع الصعد، حيث استطاعت إيران استيعاب الصدمة الأولى وتمكّنت من قراءة السيناريو المعدّ لها بدقة، وقامت أجهزتها الأمنية بتنفيذ سيناريو معاكس تمكّنت من خلاله من الوصول إلى أغلب الشبكات الاستخباراتية التي تدير أعمال العنف على الأرض، الأمر الذي فضح المخطط بالكامل وجعله عارياً أمام العالم الذي كان يراقب المشهد بحذر.

والآن تستطيع الجمهورية الإسلامية أن تبثّ اعترافات الشبكات التي تمّ القبض عليها، حول الدول الغربية والإقليمية التي جنّدتها وزوّدتها بجميع الوسائل لخلق الفتنة، بينما تقف الجهات الخارجية موقف المترصّد لردّ الفعل الإيراني على كل ذلك، وتحاول طلب الوساطة للهدنة، وخاصة أن ضباط استخبارات غربيين وإقليميين كانوا ضمن الشبكات التي تم اصطيادها على الأراضي الإيرانية، فهل تعلن واشنطن عجزها عن تحقيق هدفها “تحرير إيران” كما تقول، أم ستضطر مكرهة لطلب التفاوض؟.