ثقافةصحيفة البعث

الإيطالي سيلفيو تشيليغين: نحن بحاجة إلى تواصل ليحل السلام

ملده شويكاني

تألقت آلة الأورغن في دار الأوبرا الفريدة من نوعها في الشرق الأوسط، والتي تعدّ كنزاً من كنوز سورية لهذه الدورة بعنوان “مهرجان الأورغن والموسيقا في سورية”، والذي يحظى بأهمية كبيرة، إذ يستضيف ثلاثة عازفين أوروبيين من أشهر عازفي الأورغن في العالم على مدى ثلاث أمسيات، اتخذت أشكالاً مختلفة، فبدأها العازف الإسباني خوان ديلاروبيا، عازف الأورغن الرئيسي لكاتدرائية “العائلة المقدسة” في مدينة برشلونة بأمسية العزف المنفرد. أما العازف النمساوي ميكاييل كوللر مدير المشاريع في التلفزيون النمساوي، فإضافة إلى قيادته وعزفه في عدد من كنائس روما، سيشارك بالعزف الثنائي مع عازف العود السوري كنان أدناوي في أمسية الاختتام الثالثة. في حين عزف الإيطالي سيلفيو تشيليغين، عازف الأورغن في الأكاديمية الوطنية لسانتا تشيتشيليا في روما مع الفرقة السمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان في الأمسية الثانية.

وقد اتسمت الأمسية بالطابع الرومانسي لموسيقا غنية بالمشاعر، واقتصرت الفرقة السمفونية الوطنية السورية على المشاركة بالوتريات والهورن فقط من النحاسيات، وكان له دور كبير بالمقطوعات، إضافة إلى مشاركة آلات النفخ الخشبية بشكل بسيط مثل الباصون والفلوت، أما الكلارينيت فشاركت بشكل أكبر، وتناغمت ألحانها مجتمعة مع نغمات الأورغن بصوتها البراق وأبعادها الممتدة، والمتصفة بديناميكية خاصة كونها آلة كنسية ذات طابع ديني، إضافة إلى تقديمها أنواعاً خاصة من الموسيقا.

العزف المنفرد

جمعت الأمسية بين العزف المنفرد والجماعي، إذ بدأ تشيليغين بالعزف المنفرد لسمفونية باخ من زمن الباروك، وتميّزت موسيقاه في جانب منها بالطابع الديني، وامتدت المستويات اللحنية لآلة الأورغن وفق موسيقاه الحافلة بالتغييرات، ولاسيما حركة القفلة الطويلة. وبدا الاختلاف اللحني للأورغن بالعزف المنفرد أيضاً للمؤلف سيزار فرانك بموسيقا رومانسية توحي بحالة درامية، أظهر فيها تشيليغن قدرات الآلة.

 افتتاحية

الفاصل بالأمسية عزف الفرقة للمؤلف روسيني افتتاحية أوبرا “السيد بروسكينو” بمشاركة الباصون والفلوت والكلارينيت والهورن مع الوتريات، بانتقالات لحنية متدرجة بدرجات متوسطة ومنخفضة حيناً مع تأثيرات بضرب القوس على الكمان في فواصل صغيرة جداً، لتتسارع الموسيقا بالامتدادات الوترية.

الكونشيرتو

ويعود العازف تشيليغين للعزف مع الفرقة بكونشيرتو الأورغن والأوركسترا للمؤلف غايتانو فاليري، بدأ بحركة معتدلة بالتداخل بين الوتريات والهورن والكلارينيت، ومن ثم أخذ الأورغن اللحن الرئيسي، تلتها الحركة البطيئة لقسم من الوتريات مع التشيللو والأورغن بألحان رقيقة جداً، ثم الانتقال إلى حركة حيوية للألحان الجماعية، لتأتي القفلة مع الوتريات.

مشاعر متماوجة

واختُتمت الأمسية بعزف كونشيرتو الأورغن مع الأوركسترا للمؤلف جوزيف راينبير، وقد شغل حيزاً من الأمسية لما يحفل به من مشاعر غنية متماوجة وتغييرات وانتقالات لحنية، وتميّز بدور الهورن بشكل خاص، وكان الأجمل والأكثر تأثيراً بالجمهور، بدأ بحركة معتدلة السرعة مع الهورن والوتريات، ثم حركة بطيئة مع ألحان الأورغن تخللها فاصل صغير للوتريات، وبعدها الانتقال إلى حركة ختامية سريعة توّجت بالقفلة الجماعية.

موسيقا مشتركة

وعلى هامش الأمسية تحدث المايسترو ميساك باغبودريان عن انطلاق مهرجان الأورغن عام 2016 أثناء سنوات الحرب واستمراره رغم الأوضاع الصعبة، إلى أن توقف عامين بسبب جائحة كورونا ليعود في هذه الدورة. ومشاركة العازف الإيطالي سيلفيو تشيليغين، الذي يمتلك الخبرة ورؤية موسيقية خاصة مع الفرقة مكنتنا من التواصل معاً لخلق موسيقا مشتركة، لأن التواصل بين الموسيقيين ليس على صعيد الثقافة الموسيقية فقط، وإنما على الصعيد الإنساني الذي يمنحنا غنى وروحاً جديدة.

وأشار باغبودريان إلى أهمية استقطاب العازفين الأجانب أو قادة الأوركسترا لخلق منصة للاحتكاك وفرصة لتبادل الأفكار والعمل المشترك، وصولاً إلى خبرة جديدة، وخاصة في هذه الأوضاع لعدم وجود فرص للسفر. وقال إن الموسيقيين الأجانب فوجئوا بالحياة الإيجابية الموجودة في سورية وبما يقدمه الموسيقيون السوريون من صورة حقيقية عن سورية للعالم.

كما أعرب تشيليغين عن سعادته بزيارة سورية الغنية بتاريخها وحضارتها وثقافتها لأول مرة، وبوجوده على مسرح الأوبرا الحضاري ومشاركته العزف مع موسيقيي الفرقة السمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو باغبودريان، متمنياً أن يتعرّف إلى سورية أكثر خلال زيارته.

وكونه موسيقياً محترفاً عزف في مسارح وكنائس في أنحاء العالم، إضافة إلى مشاركاته بالمهرجانات في إيطاليا وأوروبا، فقد رأى أن العمل مع موسيقيي الفرقة السمفونية والمايسترو ميساك باغبودريان مصدر إثراء وتواصل، ونحن بحاجة إلى التواصل ليحلّ السلام في العالم، وهذا ما تنشره وتنقله الموسيقا رغم أننا نعمل بين أجيال مختلفة. وأهدى الجمهور السوري كونشيرتو راينبرغر القريب من ذوقه الموسيقي المفضّل.

خبرة بالأداء

في حين بيّن عازف الهورن في الفرقة السمفونية فؤاد شلغين الذي شارك بالأمسية أن استضافة سيلفيو تشيليغين البارع تجربة غنية جداً للإصغاء إلى آلة الأورغن التي نادراً ما تشارك بالأمسيات بأعمال تعزفها الفرقة للمرة الأولى، وبالتأكيد مشاركة عازف احترافي على مستوى عالٍ يضيف للفرقة خبرة على صعيد الأداء والصوت والمرافقة الأوركسترالية، ويعرّفنا إلى أعمال كُتبت للأورغن.