ثقافةصحيفة البعث

الفنان جمال نهار.. وداعاً

أكسم طلاع

فارقنا أول أمس الفنان التشكيلي السوري جمال نهار ابن الجولان العزيز حيث ولد وذاق مرارة النزوح، رحل بعد سيرة طويلة قضاها مربياً وأستاذاً للتربية الفنية وعاملاً في حقل الفن التشكيلي على صعيد إنتاج اللوحة، وممارسة العمل النقابي من خلال فرع القنيطرة لاتحاد الفنانين التشكيليين، ويشهد له بطيب المعشر ودماثة الخلق والإخلاص في عمله النقابي، وقد عانى كثيراً حين كان رئيس فرع القنيطرة لاتحاد التشكيليين من تجاهل ونكران من قبل الأوصياء على تنشيط الحياة الثقافية والتشكيلية في المحافظة لسعة أحلامه وطموحاته، وأشهد أنه كان أكثرنا حماسة لأي نشاط جماعي، وقد يصل الأمر إلى تكاليف وأعباء مرهقة يتحملها وحيداً.. وكأن النقابة بيته الثاني.

عرفتُ الراحل منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي حين كان طالباً في ثانوية محي الدين محمد، التقيت بالشاب العاشق للفن، وخاصة فن الخط العربي، وأعجبت بصبره ومثابرته على العمل في تنفيذ اللوحة التي لن تحقق له ذلك المردود المادي الكافي ليعيش حالة الفنان الحقيقية، فقد كان الفقر شريكاً ومحفزاً حقيقياً لهذا الرجل الذي يعمل في مشغله الكائن في مدخل بوابة الميدان، قريباً من ساحة الأشمر.

للراحل مجموعة من اللوحات التي لا تخرج عن الأسلوب الحروفي وبعض الأعمال الخطية التقليدية التي تحاكي المرقعات والآثار التي تعود لبعض الخطاطين الأساتذة مثل سامي وشوقي ومصطفى حليم، إلا أن الجهد الأكبر توجّه نحو الأسلوب الحداثوي في اللوحة الخطية، وخاصة تلك الأعمال التي تتغنّى بالتراكيب وتحافظ على قاعدتها الأصيلة، مثل أعمال الفنان الإيراني جليل رسولي الذي أبدع في هذا الاتجاه وتأثر بأسلوبه العديد من الفنانين السوريين.

حاول الراحل جمال نهار تأليف شخصية فنية لتجربته الموزّعة بين الخط التقليدي والحروفية، وقد اقترب من التصوير في بعض الجوانب التي استثمر فيها الفراغ الأبيض وجعله ملوناً بحساسية مختلطة بين التصوير والحفر ومقاربة فن الإيبرو أحياناً أخرى، معتمداً على ما تحققه عفوية التقنية وتوزع الصباغ بين وسطين متناقضين مثل الماء والزيت، مقتفياً أثر التجارب الفنية السابقة لبعض الفنانين.

يعود الفضل للراحل جمال نهار بتعزيز حضور فن الخط العربي في وسط لا يعترفُ بهذا الفن، إلا ضمن مساحته الوظيفية كمنتج ينتمي للفنون الحرفية والتطبيقية، كما لا ينكر أحد دوره كمدرّس للفنون في عدد من مدارس المحافظة في تعزيز المواهب وتبني بعضها وتوسيع رقعة الاهتمام بهذا الفن الأصيل في مدارسنا.