ثقافةصحيفة البعث

لماذا تغلبت الموضوعية على الفنية في مهرجان حلب المسرحي؟

حلب- غالية خوجة

في جولة داخل “حارتنا” الشعبية، وبالأرمنية، بدأ مهرجان حلب المسرحي لفرق الهواة المقام على مسرح دار الكتب الوطنية، واختتم بمسرحية “كلمة وردّ غطاها”، وتألفت لجنة المشاهدة من الفنانين إبراهيم مهندس، إيليا قجيميني، نادر عقاد، واحتشد الجمهور الحلبي لمشاهدة 7 مسرحيات لمدة 7 أيام، تنوّعت بين الكوميديا الواقعية السوداء والتهريجية الفكاهية والتراجيكوميدية والنقدية الساخرة، بينما مواضيعها تحركت بين اجتماعي من الواقع المحلي، وبيئة مستوردة إلى واقعنا المحلي، وحضرت الأرمنية واللهجة واللغة العربية، وكان البطء الزمني والأدائي واضحاً في أغلب الأعمال، والملفت أن الأعمال لم تفكر بطرح أية حلول!.

تظاهرة ليتها تكون دورية

وعن هذا المهرجان، خصّ الفنان غسان مكانسي “البعث”: إنها تظاهرة وليست دورات لأنها جهود فردية مُحبة للمسرح، والمستغرب أن جميع المحافظات لديها دورات لمهرجاناتها إلاّ حلب أمّ الفن لأنها ليست متفرغة لأولادها، ولأن المسرح القومي بحلب هو المسؤول عن مهرجان حلب الاحترافي، ومديرية الثقافة مسؤولة عن فرع الهواة ومهرجان لأجلهم.

أين الترجمة في مسرحية “حارتنا”؟

تألفت مسرحية “حارتنا” من 3 حكايات كتبها وأخرجها فاجة أدروني بأسلوب تراجيكوميدي، قدّمتها فرقة تاميان التابعة لجمعية الشبيبة الأرمنية، وناقشت موضوع الحب الذي ينتصر غالباً رغم المعاناة، من خلال  المرأة التي تفضّل حب زوجها على جميع الماديات، وأدّت دورها الفنانة سيرلي قوزيان، ومن خلال علاقة الحب في العتمة بين فتاة وشاب من عائلتين هوايتهما الكلام عن الآخرين، لكن العائلتين ترتدّ عليهما هوايتهما عندما تلجآن للحارس، وتكتشفان أن ابن العائلة الأولى وابنة العائلة الثانية هما مصدر الحركة، وتعرض اللوحة الثالثة علاقة حب بين فتاة فقيرة وشاب من عائلة غنية وكيف يرفض الوالدان ذلك، ومثلت الفنانة الحلبية الأرمنية هوري بصمجيان دور الأم الغنية ماري روز، التي سألتُها: ألم يكن ممكناً أن نضيف اللغة العربية للمسرحية ولو من خلال الشاشة الإلكترونية، أو توزيعها كنصّ مكتوب على الحضور؟

أجابتنا بصمجيان: لأول مرة تشارك الفرقة الأرمنية بهذا المهرجان، والفن لغة بحدّ ذاته، والعرض أوصل الفكرة والأحداث للحضور، فتفاعلوا وفهموا وانسجموا مع الشخصيات، ولو ترجمت لكان التأثير أفضل.

فلسفة “العاري والأنيق” وجودية غير محلية

واتسمت مسرحية “العاري والأنيق” من تأليف داريو فو بحالة غربية لا علاقة لها ببيئتنا، متداخلة بين العبثية والوجودية ومشهدية الشاشة، وهدفها مختزل باحترام اللباس لا الإنسان، وبهذا يتفلسف عاملا النظافة محمد سقا وعبيدة صادق، وهما يتلفظان بالشيء وكل شيء، ليقول أحدهما للآخر: “أنت إله” ثم يسجد، وتتكرّر هذه اللازمة خلال العمل، كما يتكرّر ما يركزان عليه: “عاري الجسد مكتسي الروح”، من خلال شخصية عارية رسمية مثّلها محمد ملقي، يجدها أحدهما في سلة الأوساخ رقم 30، فيفاوضه بعدة حلول ليجد ما يلبسه شرط أن يكون بدلة سهرة رسمية، وأثناء ذلك، تظهر هموم المرأة الهاربة من الأخلاقية وأدتها منار العلي، والحارس ومثّله طارق خليلي، وبائع الورد وأدّاه محمد فاضل، ويتمّ تبادل قبعات الرأس برمزية، لكن العرض الذي قُدّم بالفصحى عانى من استطالة زمنية في بعض المشاهد، وتحدث بكلمات مباشرة عن حدث الخيانة الذي جعل الأنيق يرمي نفسه عارياً من الشرفة ليمكث في سلة الأوساخ.

هموم الجيل الشاب في “ما عم تزبط معي

وقدمت فرقة بسمة الفنية مسرحية “ما عم تزبط معي” التي تمحورت حول الحياة اليومية للأزمة السورية التي يعيشها مجتمعنا بتناقضاتها ومجرياتها، فليس هناك شيء بمكانه، وكأن كلّ شيء يحدث بالمقلوب، فخريج الرياضيات يصير بائع خضار، وتلك من محاولات تحسين المعيشة التي أصبحت هاجساً مرهقاً للمواطن، وعلى هذه البيئة الحياتية الاجتماعية والاقتصادية والضغوط النفسية اشتبكت التفاصيل بالكوميدي المبطن للدرامي، وشارك كلّ من المؤلف أحمد كامل شنان والمخرج عصام بدوي بالتمثيل أيضاً.

“الحياة” تسأل: أين بر الوالدين؟

وأضاءت مسرحية “الحياة” مع ديكورها البسيط حالة إنسانية اجتماعية، قدمتها فرقة الجمعية العربية المتحدة للآداب والفنون، وألفها وأخرجها ومثل فيها أحمد كامل شنان دور الأب، وأدّت دور الأم فتون جنيدية، وكانت ريم خطيب مساعدة المخرج.

ويكشف المكان “دار السعادة” للمسنين عن الحالة النفسية للشخصيتين، وكيف تمتلئ ساحة انتظارهما بالذكريات والمحبة والألفة والبوح، وتكمله بجمالية نافذة الظل والإضاءة التي تجسّد ذكرياتهما بأثر رجعي، كما يظهر منها ظل ابنهما، وأدى دوره أحمد عرب، الذي يزورهما فجأة بعد غياب سنتين، وهو ينفثُ دخان غليونه وينظر إلى ساعته ليبرمج انشغالاته، ويعبّر الأب بعفويته عن صدمته بعدما يحضن ابنه ويبتعد مردّداً: هذا ليس ابني، لأنني ربيت ابني على الإنسانية والمحبة. وهنا، نتساءل: لماذا لم يكن هذا المشهد ختامياً؟.

ورغم الفنيات كان هناك بطء زمني وأغانٍ لا محل لها، وخاصة مع البداية الرومانسية غير المناسبة مع مشرفة الدار التي أدّت دورها ياسمين الحموي ومعها وردة حمراء وغنت بالفرنسية والعربية.

“شرف” وألوان الضياع 

بدورها، عكست مسرحية “شرف” – تأليف باسل طه” وقدمتها جمعية بيت القصيد – فرقة صدى الشهباء، العديد من المشكلات التي يعاني منها الجيل الشاب مثل الفقر والبطالة والغربة وسراب الأحلام وفشل الحياة العائلية والزوجية وآلام الطموحات، خصوصاً، الواقع الاجتماعي اليومي الراهن بعد الحرب الظلامية، واعتمد المخرج محمد ملقي على الواقعية الحياتية التي أدّاها كلّ من جهاد خربوطلي ومحمد السقا وطارق خليلي وراما بصاص ورونا حيدر وإسراء إبراهيم.

فكاهية “نزهة في ميدان المعركة”

رغم تمتعها باللغة العربية الفصحى، إلاّ أن مسرحية “نزهة في ميدان المعركة” لفرقة نقابة أطباء الأسنان فرع حلب، لم تخرج عن الفكاهة والضحك من أجل الضحك، ولم يكن الجندي الخائف المدلل لجدته وجده سوى فزاعة تمسك البندقية بالمقلوب، ولا تعرف ماذا تفعل مع أسير صار في قبضتها، وظلت المشاهد المضحكة متواصلة، فلم تعرف كيف تكون ضمن بيئة مؤلف النص فرناندو أرابال التي هدف منها إظهار عبثية الحروب والمطالبة بتوقفها من أجل الحياة، ولم تعرف كيف تدخل إلى بيئتنا المحلية، وهي من إخراج أحمد مكاراتي، ودراماتورجيا منى الأحمد.

“كلمة ورد غطاها”

بين المضحك والمبكي تحركت فرقة اتحاد عمال محافظة حلب في مسرحية “كلمة وردّ غطاها” – تأليف عبير بيطار وضحى عساف”، وهي تحكي عن الواقع العربي بواقعيته الشعبية، مركّزة على اللكز الساخر الذي يعاني منه المواطن العربي بين صعوبات الحياة والاحتلال والجامعة العربية والأغاني الوطنية التي تردّدت لتذكرنا بأحلامنا وآلامنا على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحصارية والانزياح عن الهوية والعروبة. واعتمد مخرجها محمد إدلبي الذي أدّى دور البطولة على إيصال الحالة النفسية ومحيطها من خلال نقطتين، أولاهما سُكر الممثلين ليكونوا أكثر حرية في التعبير ويكون لمشروب “العرق” حضور أساسي! وثانيهما المقبرة كمكان فانتازي معتم، يتمّ فيه خداع الأحياء القادمين لزيارة موتاهم بأن الشخصيتين المخمورتين ملائكة “مودرن” أو أنكر ونكير!.