ثقافةصحيفة البعث

رواية “الأميرة فلسطين”.. سرديّة خاصّة للخصوصيّة الفلسطينيّة

أمينة عباس 

 تشيرُ المغتربة بسمة عبد الأمين كاتبة رواية “الأميرة فلسطين” عبر كلمة سطّرتها على الورق وقُرئتْ في الندوة النقدية التي عُقدت مؤخراً في المركز الثقافي في أبو رمانة بإدارة الكاتب أيمن الحسن ومشاركة الأديب د. حسن حميد والكاتب سمير عدنان المطرود والإعلامية رنا علي إلى أن الكاتب يتردّد في خطاه الأولى عند تقديم عمله للقرّاء الذين يريد الوصول إليهم، وأن “الأميرة فلسطين” وإن لم تكن أولى المحاولات وقد سبقتها محاولات أولى متعثرة لم ترَ النور، لكنها كانت المغامرة الحقيقية الأولى لها التي حاولت السير فيها وراء أسئلة الهوية والعودة إلى الجذور والحق من خلال خلق مُعادل روائي للدراسات التاريخية التي تسعى وراء تثبيت الحق التاريخي المشروع للشعب الفلسطيني في أرضه، ونقض الرواية الصهيونية وتفنيد أسطورتها، مع تأكيدها أن الهدف من الرواية هو تقديم رؤية سرديّة خاصّة للخصوصيّة الفلسطينيّة، مبينة أن مثل هذا العمل احتاج إلى مرجعية أصيلة لبناء المُعادل الروائي عليها، تمثلت في البحوث والكتب التاريخية والدينية والأسطورية، منوهة بأن أهم ما عادت إليه رسائل تل العمارنة التي تُعدّ من أقدم المراسلات الدبلوماسية، مشيرة إلى أن هذه الرواية قد ينتقدها البعض لمباشرتها والتي تبدأ من عنوانها، لكنها رأت أن هذه المباشرة لا زالت تشكل وسيلة للسردية الفلسطينية، ولاسيّما في تطرقها لمرحلة تاريخية محدّدة، مشيرة إلى ضرورة مواجهة ما يجري في المرحلة المعاصرة من محاولات غسل العقل العربي من خلال زرع الشكوك حول إنكار جذور الشعب الفلسطيني وتاريخه وحضارته، وهي محاولات أوصلت البعض إلى عقد ما يُسمّى باتفاقيات سلام وإقامة علاقات دبلوماسيّة مع الكيان المغتصب. من هنا بيَّنت الكاتبة أن للرواية دوراً يتمثل في تثبيت سرديّة الحق الفلسطيني، وهذا ما سعت إليه من خلال هذه الرواية.

رواية متداخلة 

وأشار د. حسن حميد في مشاركته إلى أنه كان في حيرة مطبقة أمام هذه الرواية المعلقة في فضاء لا ينتمي إلى تاريخ عاشه أهل أريحا، ولا إلى حياة اجتماعية ذكرتها السّيَر التي كُتبت عن العادات والتقاليد التي عاشها الناس هناك، ولا إلى حياة سياسية عرفتْها، مؤكداً أن هناك ارتباكاً عمّ هذه الرواية يفوق فهم القارئ لمقاصدها وأهدافها، فهي ليست رواية تاريخية وإن كانت تستند إلى جذر تاريخي ومعلومات تاريخية، وليست رواية اجتماعية تجول في عالم التضاد بين عادات وتقاليد وأعراف، وليست رواية عاطفية ترصد تعالق الأرواح وانجذابها إلى بعضها، وليست رواية حرب وإن كانت الأنفاسُ فيها أنفاسَ حرب، وهي ليست رواية صراع على موضوع معيّن وإن كانت معادلات الصراع بادية في بعض جوانبها، وليست رواية تسجيلية تماشي الأحداث التي عرفتْها مدينة أريحا في الزمن السابق لولادة السيد المسيح، ولا روايةَ سيرةٍ للملك أريحو أو الأميرة فلسطين، مؤكداً وفقاً لما ذكره سابقاً أن هذه الرواية عصيّة على تحديد موضوعها وضبطه، ففيها من التاريخ جانبٌ ومن الصراع وحياة أهل أريحا الاجتماعية جانب، وفيها من التعاطي مع أحداث عرفناها أو سمعنا عنها أو قرأناها جانبٌ أيضاً. وهذا ما سيؤدي برأيه لحالة ارتباك عند قارئها عبر مسير خطّي للأحداث. ورأى حميد أن الكاتبة بأسلوبها ومسيرها هذا ضحّت بالبعد الفني لمعمارها، لأن الرواية برأيه ليست هندسة خطية وإنما هي اجتماع الأضداد والأزمنة والأمكنة والأحداث والشخوص في معمارية لا تعرف مساراً يوصل الكاتب والقارئ إلى المباشرة التي يتحيّدها العمل الأدبي عادة. وتوقف حميد في ملاحظاته عند أنساق التناصّ في الرواية وهو الذي يؤيده عادة في الكتابة في حال تبنّى قيمة المغايرة أي تقديم رؤية جديدة، في حين أن التناص لدى الكاتبة كان فاقداً لرؤية المغايرة برأيه حين اعتمدت في سرد الأحداث على المرويّات الدينية والتاريخية، وهي بهذا الأسلوب ضيّعت الفرصة على هذه الرواية في أن تقدم لنا مرويّة جديدة إلى جانب أسلوب المكاشفة الذي ضيع الجماليات وأفسدها مما أدى إلى غياب الدهشة عنها.

ورأت الإعلامية رنا علي أن ما جاء في الرواية يعبّر عن حياتنا كلنا، ففلسطين والشخصيات التي تحدثت عنها الكاتبة في الرواية تشبهنا، مشيرة إلى أن الكاتبة قدمت سرداً وصفياً دقيقاً طغى التاريخ فيه على كل حنايا الرواية، لكن ما لفت نظرها السلاسة التي أنضجت رائحة التراب والقدس في أنفها عبر مفردات متراصة ولغة حبكتها الكاتبة ضمن خيوط في سنارة واحدة. 

الرواية شائكة ومعقدة 

وأشار الكاتب سمير عدنان المطرود في مشاركته إلى أن الرواية شائكة ومعقدة من خلال وصفها لمفاصل التاريخ لتقول من خلالها من هي فلسطين التي جسّدتها بشخصية الأميرة فلسطين بنت الملك أريحو في مملكة أريحا، وإسقاطها على الواقع المعاصر في محاولة لتقريب المشهد بشكل عام، معبّراً عن إعجابه بالتكنيك الروائي الذي اتبعته الروائية في التعرض لتاريخ مملكة أريحا منذ أن كانت مملكة أيام الملك رحّى الأول الذي تمّ في عهده بناءُ سور المدينة لصدّ هجمات الغزاة، موضحاً أن الكاتبة جعلت الأميرة فلسطين تستطرد في سرد تاريخ أجدادها الملوك لتُقدّم لنا الكاتبة مقولة الرواية وهي: “كلّ هذا التحصين لم ينفع حين تكون الخيانة متوافرة، وأن البلاد تؤخذ من الداخل وليس من خارجها”، مبيناً أن الكاتبة استطاعت تعرية المجتمع وأنماط التفكير التي كانت سائدة آنذاك، حتى لو كانت تختصّ بالقصور الملكيّة وسكانها. ورأى المطرود أن ما يُسجل للروائية ارتفاع منسوب الوعي السياسي لديها من خلال اللعب على وتر التاريخ في تقديم صورة المستقبل كما يحلم به كلّ عربيّ أصيلٍ حرّ شريف يرضع من فلسطين سيدة البلاد العامرة حليب العزّة والكرامة، وهي التي لم تسكت عن حقها ولم تنم على ضيم منذ الأزل، مؤكداً أن الكاتبة نجحت في نقل الواقع المعاصر من خلال إسقاطات تاريخية على الشخوص والأحداث والأماكن، وأنها في الجانب الفكري استطاعت أن تتعامل مع شخصيات الرواية وفق المعادل الموضوعي المعاصر، فيقف القارئ فيها أمام إسقاطات تاريخية مؤلمة ما زال المواطن العربي يعاني منها ويُذلّ تحت شعارها البرّاق، وقد تمكّنت الكاتبة عبد الأمين من تفكيك الشيفرة المعاصرة للحياة السياسية في العالم العربي حين اعتبرتْ أن فلسطين قلب بلاد الشام، وتتوسّط مركز هذا العالم.