رأيصحيفة البعث

“أستانا” التاسع عشر: نعم “حان وقت الحساب”!!

أحمد حسن

بالنتيجة، لا “يقول” العدوان التركي على شمال سورية – عشية جولة جديدة لـ “أستانا” – شيئاً جديداً لا يعرفه الجميع، لأنه على غرار كل خطوات أردوغان السابقة واللاحقة، وسواء كانت سياسية أم عسكرية، أم إرهابية، عليها أن تخدم هدفاً واحداً: انتخابات 2023 بعد أن سقط هدفه الأكبر بـ “السلطنة العظمى” على أبواب دمشق تحديداً.

هنا يمكن القول: إن تفجير شارع “الاستقلال” الأخير، والمدان طبعاً، وقع على أردوغان كهدية ذهبية – وربما هدية ذاتية في استعادة مجرمة لمفاعيل تفجيرات ما قبل الانتخابات السابقة ودورها في نجاحه – لخدمته في هذا السياق. لذلك سارع أردوغان إلى العمل على خطّين متوازيين: الأول منهما الاعتداء على شمال سورية – وهو أمر لم تكن واشنطن بعيدة عنه كما كشفت توصية وزارة خارجيتها لمواطنيها – “انتقاماً” للتفجير، كما يقول، وبحثاً عن شدّ جديد للعصب القومي الداخلي كما تقول الحقائق، والثاني التصريح العلني بإمكانية استعادة العلاقات مع الدولة السورية، ولكن “بعد انتخاباته القادمة” بما يعني إبقاء رهانات دول “أستانا” ذاتها، أي إيران وروسيا، في صندوقه الانتخابي الشخصي حتى ذلك الموعد، ليكون ذلك كله بالمحصلة النهائية مجرّد مخاتلة انتخابية اعتادها رجل السياسات المخاتلة.

ذلك كله، إذا عطفناه على تصرّفات سابقة و”مشهودة” للرجل ونظامه في محاولته الدائمة لخلق وقائع تخريبية – احتلالية بالمحصلة – جديدة على الأرض السورية، لا يتسق إطلاقاً مع هدف اجتماع “أستانا” الحالي الذي يبحث، كما يقول المتحدّث باسم وزارة الخارجية الكازاخيّة أيبك صمادياروف، عن “التعزيز الشامل للعملية السياسية، وإجراءات بناء الثقة”، تحقيقاً للصيغة الأساس التي قام عليها أولاً، وعلناً على الأقل، أي احترام سيادة سورية واستقلالها ووحدة أراضيها وحق شعبها في تقرير مصيره بنفسه، كاعتراف نهائي والتزام علني في الوقت ذاته للأطراف جميعها المشاركة في هذه “الصيغة” وبينها أردوغان بالطبع.

بهذا المعنى، يصبح الحديث في الاجتماع عن إجراء “تقييم سياسي وأمني للفترة الماضية، بما في ذلك بعض الخطوات التي خطتها الأطراف المختلفة نحو انفراج ما”، حديثاً “ناقصاً” إذا لم يرافقه “عمل” فعلي لردع أردوغان ذاته عن مساره التخريبي، والقديم في الحقيقة، باعتبار ذلك أولى خطوات نجاح الاجتماع ذاته، كما أنه أولى خطوات نجاح الحلّ النهائي المأمول، فبناء عليه يمكن لاحقاً الانطلاق لمواجهة المحتلّ الأمريكي وسياسته الحالية التي تنوس بين ما يسمّيه المبعوث الأميركي السابق إلى سورية، جيمس جيفري، “تجميد الصراع الدائر في البلاد”، وبين التصعيد وتغذية الأوهام و”تكبيرها” في عقول البعض كي لا ينخرطوا في سياق الحل الداخلي، وبالتالي إبقاء “الأزمة” كبؤرة صالحة للاستغلال في أهداف إقليمية وعالمية كبرى.

وبهذا المعنى أيضاً، وكي تكون “أستانا” الجديدة نقطة انطلاق جديّة، لا مفرّ من البدء بوضع أردوغان أمام مسؤولياته وتعهّداته التي قطعها لشركائه الآخرين، سواء في “الأستانات” السابقة أم في “سوتشي” أم في اللقاءات الثنائية بينهم. وبتعبير آخر، إذا لم يكن “أستانا” الحالي وقتاً للحساب، فإنه لن يكون سوى اجتماع فلكلوري بمخرجات بلاغيّة معتادة.. أي مجرّد رقم جديد في سلسلة لقاءات “إعلامية” لا أكثر ولا أقل.