ثقافةصحيفة البعث

المسرود في ديوان “لماذا تركت الحصان وحيداً” تكرار أم إضافة؟

آصف إبراهيم

كثيرة هي الدراسات الأدبية التي تناولت تقنيات السرد في شعر محمود درويش، لعلّ أبرزها كتاب الناقد الدكتور يوسف حطيني “سردية القصيدة الحكائية في شعر محمود درويش” الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، إلى جانب عناوين لمقالات وأبحاث أخرى عديدة أمثال: “البنية السردية في قصيدة درويش”، و”تقاطع السرد مع الشعر في نماذج من شعر درويش”، و”السرد في ديوان لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي”، و”السرد وتشكل بنية النص في جدارية درويش”، و”التقنيات السردية في بيروتيات درويش”.. وغيرها الكثير.

وبالأمس أضافت الدكتورة روعة الفقس رئيسة قسم اللغة العربية في كلية الآداب بجامعة البعث إلى هذه الدراسات دراسة تقدّم فيها عصارة خبرتها البحثية والنقدية في هذا المجال، حملت عنوان “المسرود في ديوان لماذا تركت الحصان وحيداً” في مقر رابطة الخريجين الجامعيين بحمص.

وقد يكون سبقها إلى هذا العنوان دارسون آخرون، لكنها حرصت أن تترك بصمتها في هذا الشأن، حيث قسّمت في مستهل بحثها تجربة درويش الشعرية إلى محطات ثلاث، أولها المرحلة الرومنسية ومثلت مرحلة الستينيات، والمرحلة الإنسانية ومثلت السبعينيات، ومرحلة الوجودية والفلسفية ومثلت الثمانينيات حتى أواخر منجزه الشعري.

وعن ديوان “لماذا تركت الحصان وحيداً”، فقد جاء بعد اتفاقية أوسلو ليسرد لنا حكاية الألم والتشرد والرحيل والمنافي، جعله درويش شاهداً على مأساة الشعب الفلسطيني، جاء السرد أداة محورية فيه، يوظف الشاعر مكونات السرد من حدث وموضوع وزمان ومكان وشخصيات وحوار ووصف واسترجاع، واستخدمت فيه تقنيات السرد من راوٍ ووجهة نظر وتبئير، ومن يقرأ قصائد الديوان يجد أن السرد طاغٍ عليها بل هو أداة محورية لنقل تجربة درويش الذاتية. وهنا تضع الدكتور الفقس إشارات استفهام عند نقاط عديدة منها: هل طغى السرد على الشعرية؟، وكيف أثرت الشعرية في السرد، هل هو تأثير سلبي، وقبل أن تقدم إجابات عن تلك الاستفهامات، أجرت مقارنة بين السرد والشعر، حيث يقوم الشعر على الإيحاء، في حين يُبنى السرد على الاسترسال والتتابع، للشعر لغة تصويرية انزياحية تحقق وظيفة الشعرية، بينما السرد لغة إخبارية تحقق الوظيفتين التعبيرية والإفهامية، الشعر لعب لغوي لا يحيل إلا إلى اللغة، نابع من ذاتية الشاعر ولا يحيل إلى الواقع وإن كانت أحداث القصيدة مستمدة من الواقع، بينما لغة السرد واضحة يستطيع أي متلقٍ فهم دلالاتها دون بذل أي جهد.

لتدخل المحاضرة في تحليل العتبة النصية للديوان، حيث يأتي السرد من هذه العتبة القائمة على استفهام موجّه من شخص إلى آخر، ضمن حوار يحمل في ثناياه الكثير من الاستغراب والدهشة، ففي هذه العتبة هناك شخصان الشخص السائل والشخص الثاني، وهناك زمان ومكان غير محدّد، وحوار ووصف “وحيداً” أي تحققت فيها مكونات السرد الذي لا يتوقف عند العنوان بل تجده طاغياً في كافة نصوص الديوان الستة، ولذلك انطلقت الدراسة من فرضية أن الديوان كله قصيدة واحدة تحكي قصة الشعب الفلسطيني الذي طُرد من أرضه، والبنية السردية تتكوّن هنا من السارد والمسرود والمسرود له، السارد هو الراوي لحكاية الشعب الفلسطيني، هو الشاعر المتحكم بشخصياته، مثال “سوف تكبر يا ابني وتروي لمن يرثون بنادقهم سيرة الدم فوق الحديد..”.

الراوي يروي حكاية أب وولده، والمسرود المادة السردية التي تنتج عن السارد، هو الديوان الشعري، والمسرود له هو الجيل الفلسطيني الآن وبالمستقبل، يقول: “إلى أين تأخذني يا أبي…؟ إلى جهة الريح يابني”.

هناك تعددية في الأصوات، هنا صوت الأب، وصوت الابن، لتنتهي الناقدة الفقس إلى خلاصة ترى فيها إثراء السرد للتجربة الشعرية عند درويش، واستفادته من تقنية السردية في إغناء التكثيف الشعري.