مجلة البعث الأسبوعية

أوروبا العجوز وأوروبا «الفتية»

د. مهدي دخل الله

القارة العجوز لقب لطالما أطلق على أوروبا ، قسمها الغربي بوجه خاص . أطلقه القسم الشاب من الغرب ، أي الولايات المتحدة وكندا . وقبلت أوروبا هذا اللقب لأنه يشير إلى الأصالة والحكمة والهيبة ، فأصبح بذلك لقباً إيجابياً إلى حدٍ ما .

أمريكا ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي بدأت تعطي للعجوز معنىً سلبياً ، فالعجوز اليوم في نظرها هي تلك القارة «الخرفانة» التي أضاعت سمت الحياة ، راكضة خلف مصالحها متخطية الدم الإيديولوجي الذي يعطي للجغرافيا حيويتها ..

إضافة لهذا التغيير في المفهوم لدى الأمريكيين هناك تغيير آخر يرى في العجوز القسم الغربي من القارة فحسب عدا بريطانيا التي هي – نوعاً ما – قوة أطلسية . الحديث هنا أساساً عن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا و دول اسكندنافيا .

يتهم الأمريكيون أوروبا العجوز هذه بأنها تتحرك شيئاً فشيئاً باتجاه روسيا حيث مصالحها الحقيقية. فإذا تم تحييد الإيديولوجيا تظهر حسنات روسيا بالمقارنة مع أمريكا بالنسبة لأوروبا الغربية . العامل الجغرافي ، الذي يخدم الاقتصاد عبر تكاليف النقل البسيطة ، هو الأهم . ثم يأتي عامل الخامات والطاقة التي تشكل مدخل المكنة الإنتاجية والحياة بوجه عام في أوروبا ، وهو عامل متوافر ورخيص في روسيا وينافس تماماً أمريكا البعيدة . العامل الثالث هو عامل السوق التي تحقق مخارج الإنتاج ، وهي واسعة جداً ومتلهفة جداً للبضائع الأوروبية .. على شوارع موسكو وحدها تسير خمسة ملايين سيارة غالبيتها إنتاج أوروبي ، ألماني بوجه خاص ..

أيام الاتحاد السوفييتي كان الحاجز الإيديولوجي صلباً وفاصلاً بين أوروبا الغربية وروسيا . وكانت أمريكا مرتاحة تماماً بخصوص عجوزتها . بعد انهيار الاتحاد السوفييتي انهار ( جدار برلين ) فاتحاً المسار الكبير باتجاه قطعة الحلوى الدسمة – روسيا ..

بعد موت الاتحاد السوفييتي بدأت أمريكا تبحث عن حاجز جديد بين ألمانيا وفرنسا وإيطاليا من جهة، وروسيا من جهة أخرى . وجدت هذا الحاجز فيما تسميه ( أوروبا الفتية ) أي دول أوروبا الشرقية من تشيكيا وسلوفاكيا حتى أستونيا وأكرانيا .

أخذت أمريكا تركز على هذه المنطقة الفاصلة فأدخلتها إلى الناتو بسرعة ، وعززت قواعدها وأسلحتها النوعية على هذه الأرض ( الجديدة ) . بل أن أوباما حاول وضع قواعد الرادارات التي تخدم مشروع الدرع الصاروخي العدواني في تشيكيا ، لأنها أقرب إلى روسيا وأكثر طواعية تجاه أمريكا ..

الصراع في أكرانيا هو في حقيقته محاولة عنيفة لتأكيد السيطرة الأمريكية على ( أوروبا الجديدة ) ، بمعنى منع أو تأخير زواج المصلحة بين أوروبا العجوز وروسيا ..

mahdidakhlala@gmail.com