مجلة البعث الأسبوعية

مواهب الأطفال بحاجة للدعم من قبل المؤسسات

جمان بركات

جميل ومدهش ونبيل ماحدث لطفلة سورية شام البكور اسمها على اسم الوطن رفعته عالياً في قلبها الصغير حيثما حلت وارتحلت وأحضرت له جائزة عربية رفيعة المستوى تليق بالشام وأهل الشام في تحدي القراءة  العربي للعام 2022 في موسمه السادس، ولكن السؤال الذي تبادر لذهني وذهن الكثيرين ماهو الحال مع آلاف مؤلفة من المبدعين الصغار أمثال وأقران شام البكور؟ كيف نتعامل مع تمجيدهم ورعايتهم والاعتناء بمواهبهم لتنصقل وتنمو بغض النظر عن الظروف الميسرة منها والصعبة فإن هناك العديد والعديد من أطفال سورية الموهوبين المنتظرين فرصة لمد يد العون لهم والاهتمام بهم، وفي هذا المجال استطلعت البعث الأسبوعية آراء بعض الأطفال وذويهم.

التبني المؤسساتي للموهوبين

بدأت الشابة سارة شعبان هوايتها في الكتابة منذ الصغر وحفيت بتشجيع جميل من عائلتها، وفي بداية حديثها قالت عن موهبتها: ليس الحلم الأول، وتابعت: أنا كشابة صغيرة لدي اهتمامات كثيرة بالقراءة ومتابعة الأنشطة الثقافية والفنية ولي أحلامي كما كثير من أبناء جيلي، وفكرة الكتابة بالنسبة لي كانت تحضر من خلال بعض المواقف التي تصادفني وتثير إعجابي وأرغب بالتعبير عنها وقد كتبت بعض المقالات الصغيرة عن حالات لفتت نظري ونالت هذه الكتابات إعجاب المقربين مني وشجعوني على الاستمرار في الكتابة، ولا أخفيكم أنني فرحت بهذه الثناءات التي أرضت غروري كطفلة يسعدها سماع المديح من محيطها، لكنني تجاوزت حالة الفرح هذه لأعود إلى دراستي التي لم أنجز منها إلا بضع خطوات، وحتى الآن هي الحلم الأهم، أما حلم الكتابة فربما يكون جزءاً من أحلام كثيرة تراود فتاة بعمري، لكنها ليست الحلم الأساس، بل هي رغبة أتمنى أن تبقى مرافقة لي لأنها تشكل لي مساحة ذاتية أعبّر من خلالها عن كثير من الحالات التي أعيشها والتي تصادفني في الحياة فأدونها في دفتر خاص بي وأحتفظ بها لنفسي.

وعن التبني المؤسساتي للموهوبين قالت الإعلامية سلوى عباس: لاشك كان لوالدة الطفلة شام دورها الكبير في وصول ابنتها لهذا الإنجاز الذي حققته في تحدي القراءة والذي أوصلها إلى هذه المكانة، ولكن هذا الفوز للطفلة شام لم يكن ليتحقق لولا مشاركتها في مبادرة “تحدي القراءة العربي” في دبي الهادف إلى بناء جيل متمكن من القراءة والمعرفة وتعزيز مكانة اللغة العربية بوصفها لغة للعلوم والآداب والإنتاج المعرفي، هذه المبادرة التي تسعى لنشر الثقافة والمعرفة واكتشاف المواهب التي هي أساس التنمية الاجتماعية، وفي سورية أطفال موهوبين حققوا إنجازات كبيرة في المجالات العلمية والأدبية والرياضية والثقافية لكن لم يحظوا بمن يهتم بهم ويصدّرهم للعالم لا ثقافياً ولا إعلامياً، وأظن أنه لا يخفى على أحد أن كل موهبة تظهر في بلدنا هي نتيجة جهد فردي نابع من رغبة وجهد الطفل الموهوب ودعم عائلته له فقط، لذلك نراها لا تستمر لأنها تحتاج لرعاية واهتمام ونفقات كبيرة تفوق قدرة العائلات، وهؤلاء الأطفال الموهوبين يحتاجون لمؤسسات تدعمهم وتتبناهم، فمن حق أطفالنا علينا أن نرعاهم، ونعنى بتنشئتهم التنشئة السليمة والمتوازنة في كل المجالات، خاصة في هذه الظروف الصعبة التي تجعل المسؤولية تجاههم مضاعفة من خلال تبنيهم ورعايتهم ثقافياً بما يسهم إسهاماً كبيراً في بناء شخصية متوازنة لاتساع آفاقهم، وامتداد ظلالهم ليطلوا على الحياة من كل نوافذها، إضافة لدور المراكز الثقافية ومعاهد الثقافة الشعبية في تنمية مواهب الأطفال، ودور الخبرات الفنية المبكرة في صقل ثقافة الطفل، ولا يفوتنا الإشارة إلى أهمية إلقاء الضوء على ما يقدمه الإعلام الموجه للأطفال وأهدافه وتأثيره التربوي عليهم، فرعاية الموهوبين تتطلب تضافر كافة المؤسسات التربوية من المجتمع، بدءاً من الأسرة والمدرسة، مروراً بكافة المؤسسات المعنية بعملية التنشئة الاجتماعية؛ كالمؤسسات الإعلامية، والأندية الرياضية، والجمعيات، والمؤسسات الخاصة.. إنها مسؤولية الجميع.

قصور وتقصير

الطّفلة الشّاعرة هيام ضويحي: أنا كطفلة موهوبة أول الدّعم والتشجيع كان من أمّي، أنا أمارس القراءة والرّسم كعادة من عادات الحياة اليوميّة من عمر أربع سنوات أجيد القراءة والكتابة باللغتين العربيّة والإنكليزيّة، فأنا أقلد والدتي هي أنموذجي في الحياة، وأعتقد لو لم تكن هي على هذه الصّفات، لما كنت أنا هكذا، أمّا عندما خرجت خارج نطاق الأسرة لم ألق الدّعم والتشجيع اللازمين، إلا من القلائل في المحيط الذي يعنى بالطفل المبدع الموهوب، كثيراً ما تعرضت للتجاهل والتهميش لم يكن الطّريق أمامي مفروشاً بالورود بل على العكس كثيراً كان علي المثابرة كي أثبت وجودي ضمن دائرة تهتم بالقليل من الأطفال وترفع من شأنهم وتعطيهم الضّوء والبقيّة من المبدعين في ظلام ولا يؤخذ بيدها إلى المكان الذي تستحق، أنا أشكر كل من اهتمّ وشجعني، وأعتب على من تجاهل موهبتي وإبداعي أنا والمئات من الأطفال، واهتم فقط بفئة قليلة، أنا أكتب الشّعر الموزون منذ سن السادسة، وأنا الآن في العاشرة من عمري، وأحب طباعة مجموعة شعرية خاصة بي، كما أحبّ طباعة مجموعتي القصّصية الأولى.

ومن جهتها قالت الكاتبة والإعلامية رندة حلوم “والدة هيام”: من أساسيات بناء نهضة معرفيّة في أي بلد هو بناء قاعدة واسعة والاهتمام بمرحلة الطّفولة المبكرة وهي المرحلة الأهم في حياة الإنسان، فيها يكتسب ميوله المعرفي والسّلوكي وتتحدد ملامح الشّخصية النّفسية بالكامل ويكون الطّفل الموهوب بهذه المرحلة قابلاً للعطب بسرعة إذا تعرض للإقصاء هنا لابد من إثراء لساحة المدركات واكتشاف ميول الطّفل، ومن ثم تنميّة هذه الميول عن طريق اللّعب والتّفاعل، لايزال مجتمعنا لديه قصور وتقصير في تعزيز نموذج الطّفل الرّائد المبدع، ودعمه لأن هذا يحتاج إلى خطّة شاملة تشمل كلّ البلاد، وكل طفل فيها من مرحلة رياض الأطفال، حتّى سنوات الدّراسة الأولى بعيداً عن المحسوبيات والتّمييز بين الأطفال وهو خطأ للأسف تقع فيه بعض المؤسسات والقائمين عليها والخاسر الأكبر هي الطفولة ومن بعدها الوطن.

لذلك -تضيف مديرة ملتقى أدب الطفل العربي- علينا البدء بخطة شاملة وسريعة، فمثلاً أغلب المدارس لاتقوم بتفعيل مكتباتها، حتّى في البيوت أصبحت المكتبة “ديكور” وهناك ارتفاع بأسعار الكتب الموجهة للطفل كما أن المجلات الموجهة للطفولة يجب أن تزيد من المساحة المخصصة لإبداع الأطفال لتصبح نصف المجلة بدلاً من صفحتين وأحياناً لا يوجد أي صفحة، كما يتطلب على المعنيين رفع سويّة ما يكتب للأطفال، هنا فقط يتم شدّ اهتمام الطّفل للكتاب، كما يجب تغيير النّظرة من كتاب الأطفال حول مقدرة الطفل الكبيرة على الحفظ والاستيعاب والإدراك وعليهم برفع سويّة كتاباتهم، أي يرتقون فيها لمستوى خصوبة عقل الطّفل .

 

لماذا لم يُحتفى بنا؟

وبدورها تهنئ ثراء الرومي –مديرة المركز الثقافي في سجن عدرا- بدايةً، وبكل حبّ الأمومة ولهفتها، أهنّئ نفسي قبل أن أهنّئ الطّفلة الظّاهرة شام التي أدخلت الفرح إلى قلوبنا جميعاً والتي أطلقتُ عليها في قصيدةٍ أكتبها لها: “شامةٌ على خدّ الشّام”. لا شكّ أنّ هذه الطّفلة تستحق كلّ الاحتفاء والتّكريم، بفصاحتها الملفتة وطفولتها المحبّبة، كيف لا وهي قد رفعت علم سورية الحبيبة عالياً في أهمّ محفل ثقافيّ وبأبهى صورة، لكن، لنكن صريحين، على المعنيّين أن يتركوا لطفولة شام حيّزاً قد يسرقه منها تسليط الضوء بهذا الإبهار، وهو ما أطلقته بعفوية حين قالت أنّها تُمضي الوقت منذ إعلان الفوز بين لقاء تلفزيونيّ أو صحفيّ وآخر، ومع سؤالها عن مشاعرها إزاء ذلك قالت: “يسعدني، لكنّهم أتعبوني، وأنتظر نهاية المقابلة لأذهب وألعب في الحديقة” لذلك وقبل الخوض في المسائل الأخرى أتوجّه بنداء لكلّ من يهمّه أمر هذه الطّفلة المعجزة: “دعوا شام تعيش طفولتها وعفويّتها الأجمل”.

مع فرحي بالنّجاح المستحقّ لأيقونة الطّفولة الجميلة شام، لكن يؤلمني واقع الاحتفاء بظواهر فرديّة والتّعتيم على سواها، فكم من شام في سوريّتنا الغالية لم يسلّط عليها أي ضوء، وكم من مبدعين في مسابقات علميّة أو سواها أصابتهم خيبة أمل وتساؤلوا سؤالاً مشروعاً: “لماذا لم يُحتفى بنا؟”.

لدينا أطفال موهوبون في شتّى المجالات، ونفتقر فعلاً إلى مسألة المتابعة التي تبدأ من رياض الأطفال وصولاً إلى المدرسة، وكلّ من يأخذ على عاتقه مسؤوليّة التّربية من أهل ومعلّمين ينبغي أن يعزّزوا تلك المواهب عبر التّشجيع بالدّرجة الأولى، وعبر إرشادهم إلى الطّريق الصّحيح الذي يضمن رفد مواهبهم بالرّعاية والاهتمام والانتشار، وأنا أنطلق من ذاتي، فكلّما عثرت على هذه الجواهر في نفوس الأطفال أسعى لأن أحثّهم على إظهارها بشتّى السّبل عبر التّواصل مع مجلات الأطفال التي تفتح ذراعيها للمبدعين منهم، كما أحفّزهم على صقلها بالقراءة المستمرّة، وهذا واجب وطنيّ وإنسانيّ يقع على عاتق كلّ منّا من موقعه.

ما تُوّجَت به مسيرة شام حفّز أطفالي على المشاركة، ولأنّنا في زمن عزّ فيه إيجاد من يقرأ رغم أهمّية القراءة في صقل الشّخصيّة وبنائها فأنا زرعت فيهم هذا الحافز ووضعت نصب عينيّ أنّ شرف المحاولة يكفي لإنتاج جيل يقرأ، فالقراءة هي حجر الأساس لتشكيل معادلة “طفلٌ يقرأ: إبداع يزدهر”، فكل نواحي الإبداع منبعها ورافدها الأوحد هو القراءة.

عبق الموهبة

تهتم شروق سلوم بمواهب الأطفال الخاصة بالرسم وعن الدعم الذي توصله لأطفالها قالت: إنه الثأر الجميل لآلاف الأطفال السوريين والعراقيين واليمنيين الذين انطفأت موهبتهم تحت الأنقاض إلى الأبد من حلب الأصالة والعروبة وصلت، ومن تحت الركام نهضت.. ابنة سورية شام البكور تحدّت الصعاب واستحقت عن جدارة الفوز بلقب تحدي القراءة العربي في موسمه السادس، مبروك للشعب السوري ببطلته التي رفعت اسم بلدها عالياً.. مبروك لكل من ينطق بالعربية، ويجلّها، أمّة هؤلاء صغارها، لن يستطيعوا هزيمتها مهما تآمروا عليها، ولكن يبقى السؤال كم من شام لدينا تنتظر يداً تنتشلها من تحت ركامها لينتشر عبق موهبتها ويملأ الأجواء، هذه اليد هي يد المعلم الملم بتفاصيل طلابه القادر على انتشال الموهبة الدفينة وصقلها خصوصاً في بلداننا التي تعاني ويلات الحرب والفقر والفساد،  ليتنا نفتح كل يوم بين طلابنا تحديات للرسم والرياضة والقراءة على مستوى الصف أو المدرسة ولا ننتظر دول هنا وهناك لتكتشف حالات فردية وبين فلذات أكبادنا ما يذهل من قدرات فلنحاول معاً تقديمها بإطارها الحقيقي وهدا أقل ما نفعله لوطننا الحبيب الجريح.