ثقافةصحيفة البعث

“أبو زيد الهلالي”.. رموز التاريخ تعري الواقع العربي الراهن

آصف إبراهيم

بدأت أمس أولى فعاليات احتفالية يوم وزارة الثقافة السورية بعرض مسرحية “أبو زيد الهلالي” على خشبة مسرح قصر الثقافة في مدينة حمص.

وفي هذا العرض يواصل زيناتي قدسية، مؤلفاً ومخرجاً وممثلاً، تكريس خطابه العروبي الملتزم تجاه تعرية انتكاسات الواقع العربي المتردي بأسلوبه التقليدي الصريح والمباشر، عبر قصص بسيطة في بنيتها الدرامية، مفعمة بعناصر الشحن العاطفي، والتي يركز فيها على إمكانيات ممثل قادر على التكوين والخلق والارتجال، تلك الميزات الكفيلة برسم معالم مسرحية مترابطة ومقنعة تحقّق شرطي التحريض والامتاع اللذين يحرصُ قدسية على تحقيقهما وفق خطين متوازيين مترابطين درامياً وفكرياً، فهو وبعد احتراف مسرحي عميق وطويل بات من أكثر المدركين على الساحة المسرحية لمفاتيح المتلقي الباحث عن الفرجة والابتسامة، ولذلك نراه يحرصُ على تمرير تراجيدياته العربية عبر الكوميديا العفوية النابعة من الموقف والحوار الارتجالي حيناً والمكتوب حيناً آخر.

في عرض “أبو زيد الهلالي”، يستكملُ قدسية ما بدأه من تعاون مع فرع نقابة الفنانين، والمسرح القومي بحمص والذي بدأ مع مونودراما “أبو شنار”، ثم “القيامة ٢”، و”قلب العاشق”، هذه العروض التي يتدرّج فيها التغريب البريختي بأسلوب قدسية وفق مستويات متفاوتة، لعلّ أعلاها وأكثرها وضوحاً نلمسه في هذا العرض الذي يستهله بصوت صهيل الفرس ووقع حوافرها إيذاناً بوصول شخصية الهلالي برمزيتها العربية المرتبطة بسجايا العزة والكبرياء للإنسان العربي، تدخل من بين الجمهور الذي يحرصُ قدسية على كسر حاجز التغريب بينه وبين العرض من البداية عبر مخاطبته كعنصر فاعل بالعرض وليس كجدار رابع.

وقدسية في لجوئه إلى البعد التاريخي في استلهام مادته المسرحية يسعى لإجراء محاكمة غير مباشرة للواقع من خلال التاريخ، وهو الأسلوب البريختي الصريح، إلى جانب توظيف الأغنية المعبّرة التي تكمل الفكرة المسرحية وتزيد من نسبة الشحن العاطفي عند المتلقي تجاه ما يقدّمه النص الذي يوظف فيه قدسية المحسّنات البلاغية البديعية، كالسجع والجناس والطباق كنوع من التأصيل اللغوي المرتبط باللغة العربية تاريخياً، كما نراه يشتغل على رمزية الأسماء في العرض عدنان وغسان وقحطان والقعقاع وأبو زيد الهلالي وشايلوك المرابي اليهودي المعروف في مسرحية “تاجر البندقية” إحدى أهم نصوص شكسبير.

هذا الاشتغال على تلك الرمزية يعزّز فكرة العرض ويقويها، العرض الذي يستهل ببداية ثم ذروة فنهاية تختتم بأغنية تلخص العبرة من وراء ما شاهده المتلقي، أي يسير على خطا المسرح التقليدي المتصاعد البعيد عن التنظير والحذلقة التجريبية التي سعى وراءها بعض المسرحيين، ولاسيما جيل ما بعد قدسية.

تنطلق فكرة مسرحية “أبو زيد الهلالي” من عيادة الجامعة العربية النفسية التي يقصدها الهلالي دون وجود أي مسوغ درامي لقدومه للعلاج فيها، لكنه يأتي ويُستقبل من مجموعة أطباء وممرضين يعملون على غسل أدمغة من لايزال في رأسه فكرة الوحدة العربية، والتضامن العربي والنصر للقضايا المصيرية، لتبدأ محاولاتهم العبثية المحمومة لتفريغ دماغه من محتوياته المتراكمة عبر السنوات الطويلة، بمختلف الأساليب الترهيبية والترغيبية، من خلال حقن جسده بأنواع الجرعات العبرية والماسونية والمستخدمة في إدارة شؤون العرب والتحكّم بمصيرهم، لكنهم يفشلون في محو ما اكتسبه هذا الإنسان الأصيل المرتبط بالتاريخ والجغرافيا، لينتهي العرض بأغنية سيد مكاوي “الأرض بتتكلم عربي” تأكيداً على الأمل الذي  يولد من رحم الأرض.

شارك في أداء شخصيات العرض بتناغم وتكامل مع شخصية الهلالي كلّ من حسين عرب، ورامي جبر، ومثال جمول وآخرين، فكانوا مكملين للشخصية الرئيسية ونداً لها في المعايشة وبراعة الأداء.