ثقافةصحيفة البعث

التشكيلي عمار الشوا في صالة عشتار.. الحكاية في المرآب

أكسم طلاع

لا غرابة أن يقدّم الفنان عمار الشوا معرضه الجديد في صالة عشتار للفنون الجميلة في دمشق بفكرة لا تخلو من طرافة موجعة وطريفة في آن، وهي رسم السيارات العتيقة. ومن منا لا ينتبه إلى تلك المخلوقات التي مرّ عليها زمن وتُركت في مصفاتها وحيدة لا إطارات ولا مرايا ولا لون براقاً، هي خردة في مكان يختزن الكثير من الذكريات، وكلّ يرى ويسمع هذه الحكايات حسب موقفه من هذا الماضي! أنا لا أمتلك سيارة ولا أبي ربما لا تعنيني هذه الكائنات! لكن الماضي يمتلك سحره الخاص حيث تجذبنا الذكريات.

من هذه الفكرة، رسم الشوا معرضه الجديد الذي لا يخلو من عاطفة خاصة سبقتها حرفية الرسام الواقعي الذي يرسم بسحرية خاصة وصبورة تداخلت مع رومانسية الطبيعة، حين وضع المنظر الطبيعي خلفية لهذه الآلية القديمة، وكأننا في مرآب الطبيعة الفسيح، فكلّ السيارات محاطة بالأشجار والربيع والظلال. إنها المفارقة حين يختار الرسام فصل الوفرة والخضرة ليرسم خريفاً مهزوماً من صدأ الحديد!، ربما الشوا رسام المشهد أكثر مما هو رسام التعبير العميق ورسام الظاهر لا الباطن من الأشياء، فالحالة الفيزيائية تكفي عنده لتحقيق اللوحة وحسب، ولربما نعمة اللون تكفي لتحقيق السعادة مرسومة على القماش!

سألته مستفسراً: لماذا السيارات القديمة نرسمها؟ ولماذا الفن؟ فكتب لي: “الفن هو عملية تفكير بصري من خلالها التقطت صوت تلك السيارات المتروكة في الطبيعة تعالج ألمها وفرحها في مسيرة العودة إلى عناصر الطبيعة الآن التي تشكلت منها، هي جزء من مكان وزمان لا يتوقف عن بثّ إشارات موسيقية تتناغم من خلالها مع من يستقبل الأسئلة، ليبحر في عالم البحث وصياغة الحكايات الخاصة بكلّ عنصر من عناصر اللوحة، كما استوقفتني هذه السيارات مرات ومرات قائلة لي: هل تستطيع أن تروي حكايتي، كذلك عملت على أن أستوقف المشاهد بالإحساس نفسه من خلال نصّ بصري مفعم بموسيقا المشهد، وحاولت أن أعطي لكلّ لون دوره في السلم الموسيقي حتى نستطيع تشكيل المشهد، المتلقي وأنا.. إنه الزمن الذي يمرّ علينا عاصفاً بكلّ ما كنا نحلم به، موجود في كلّ لوحة مغلف بالدهشة صانعة الأسئلة”.. هذا رأي فناننا المجتهد، وما علينا إلا أن نعترف أن الجمال في كلّ مكان، وما على الفنان إلا أن يذهب بنا إلى المؤثر والأكثر دواماً وتأثيراً.

وهذا المعرض الفردي الثاني للفنان في الصالة نفسها يؤكد أن الشوا على خطا الفنان المصور الذي يختبر كلّ الأساليب التي يقع في إعجابها، فنجده رسام التفاصيل والضوء والطبيعة، كما نراه الفنان المرهف في محيط صاخب بكلّ الملوثات البصرية، ونحتاج أن نرى نتاج هذه الرهافة المثقفة في معارض أخرى لهذا الفنان المثقف والمجتهد.