دراساتصحيفة البعث

أردوغان يذهب أشواطاً كبيرة في أحلامه العثمانية

علي اليوسف 

التصريحات التي يطلقها رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان كل يوم هي تصريحات تثير التوجس من المسعى الذي تقوده تركيا الأردوغانية، والذي يتم تنفيذه اعتماداً على مجموعات سياسية لا تخفي ولاءها له، وتنتصب مدافعة عنه، وتتصدى بكل الوسائل لكل من ينتقد سياسته الداخلية والخارجية.

والحقيقة أن أردوغان ذهب أشواطاً كبيرة في أحلامه، في ظل تراجع مفاهيم مثل القومية، والوحدة العربية، التي استطاعت أن تؤسس في سنوات الستينات، والسبعينات، أفقاً عربياً مثل هوية مشتركة من المحيط إلى الخليج.

لقد وجد أردوغان في ما يسمى “الربيع العربي” فرصة لاستباق الزمن، ولملء الفراغ الذي تركه سقوط الدولة الوطنية، وعلى هذا الأساس سّرع عمليات السيطرة، والهيمنة الثقافية والتجارية، ومن حين إلى آخر الهيمنة العسكرية، من خلال التدخل المباشر في تأجيج ما أطلق عليه “الربيع العربي” من خلال تقديم مساعدات عسكرية، وإيواء الإرهابيين وتجنيدهم وتدويرهم حسب الحاجة.

هذا المنعطف الاستبدادي الذي سلكته حكومة أردوغان في السنوات الأخيرة بزعامة حزب “العدالة والتنمية”، والذي اتخذ من حزب “الحركة القومية” اليميني حليفاً له، أدى إلى تصاعد أيديولوجيات عثمانية طورانية متطرفة، والمتتبع لمجريات الأحداث تبدو المناطق التي تسيطر عليها القوات التركية والفصائل الارهابية التابعة لها، الأكثر خضوعاً لهذه السياسات الأيدولوجية الخطيرة، والتي ترتكز بالدرجة الأولى على طمس الهوية الوطنية التي تشاهد في المدن السورية المحتلة من قبل النظام التركي.

لم ينتظر رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان طويلاً لاستثمار تفجير تقسيم في مدينة اسطنبول، والتي وجد فيها فرصة – ربما الأخيرة لإنقاذ مستقبله السياسي – لتنفيذ تهديداته ومخططاتها السابقة، لأن من يدقق في سرعة رد النظام التركي يدرك بما لا يدع مجالاً للشك أن الرد في ظاهره ليس رداً على منفذي تفجير تقسيم، بل يحمل في طياته ملامح مشروع انتخابي لأردوغان قبل انطلاق الانتخابات الرئاسية، وإظهار أردوغان بدور البطل المدافع عن بلاده.

وعليه، فإن العملة العسكرية الانتقامية التي أطلقها تحت مسمى “المخلب – السيف” لا تتعدى كونها عملية استعراضية بالدرجة الأولى، بالنظر إلى المساحة الكبيرة التي شملتها في سورية والعراق، وتمركزها على مناطق حدودية معينة. حتى عملية أردوغان، بالنظر إلى أطماعه العدوانية المعروفة تجاه سورية، ما كانت لتحصل لولا غض النظر الأميركي الذي تلقى إشعارات من تركيا عن هذا العدوان مسبقاً.

وحتى تلطيف الأجواء مع سورية، عبر رسائل هنا وهناك، فهو الأخرى ضرب من الخيال على وقع تهديداته وتطلعه إلى احتلال المزيد من الأراضي السورية، ما يعني أيضاً أن تصريحاته التي يدلي بها كل فترة مشكوك فيها، وأنها ليست إلا محاولة لكسب الوقت، وحصد مزيد من النقاط أمام شعبه قبل انطلاق السباق الرئاسي.

من هنا، لن يحقق أردوغان أحلامه الطورانية، ولن يستطيع التغيير الديموغرافي في المناطق المحتلة، وحتى عملياته التي أطلقها في سورية ستنقلب عاجلاً أم آجلاً على أحلامه العثمانية، لأن حركة التاريخ، والتاريخ السوري بشكل خاص، يؤكد أن السوريين الذين دحروا المحتل الفرنسي، وصنعوا الجلاء، هم أنفسهم السوريون الذين سيدحرون أردوغان، وسيحررون كل شبر من الأرض السورية، ويحققون النصر الناجز بحتميته التاريخية.