صحيفة البعثمحافظات

فرص عمل ضائعة.. الحرف التراثية البحرية خارج اهتمام المعنيين  

اللاذقية – مروان حويجة

لا تزال معظم الحرف التراثية  البحرية والصناعات اليدوية  التقليدية المرتبطة بالبيئة البحرية والسياحية مهمّشة وخارج اهتمام الجهات المعنية،برغم أن هذه الحرف المهن كغيرها من المهن تشكّل مصادر عيش ورزق، وأيضاً بما تمثّله من  قيمة تراثية ووظيفة تسويقية سياحية وبيئية بالغة الأهمية على تنوّع هذه الحرف التراثية  والمنتجات البحرية، وما تعكسه من روح إبداعية، إلّا أنّ الاهتمام بها والحفاظ عليها خارج الأولويات

يقول أحد المشتغلين بحرفة صناعة نماذج مجسّمات السفن المهندس البحري رشيد دالاتي أنّ هذه الحرفة برغم ما تشكّله أيضاً من قيمة ملاحية وإتقان حرفي وخبرة متراكمة  تنبع من غنى البحر إلّا أنها لا تلقى الاهتمام المطلوب،بل يتم التعامل معها معاملة تجارية تموينية وهذا ما اضطره إلى التوقف عن العمل بسبب الظروف الراهنة وبعض المضايقات الناجمة عن فرض رقابة تموينية وبلدية  ومالية وتموينية عليها مثلها مثل أية حرفة إنتاجية أو صناعة تقليدية ربحية،في حين أنّه يفترض التعامل معها عكس ذلك تماماً ، وأضاف م.دالاتي :  ما أصممه وأصنعه يندرج ضمن الحقل الإبداعي وأقرب إلى الهواية وليس عملاً تجارياً وصناعياً،  ويستغرب عدم اعتبار مثل هذه الحرف التراثية  فنّاً وإبداعاً، وأصبح قلائل من يحبون هذا الفن،مؤكداً أنّ السنوات الطويلة التي أمضاها في العمل مهندساً بحرياً جعلته خبيراً في تصميم وصناعة نماذج سفن

صغيرة تحاكي السفن الحقيقية بكل المعايير والتفاصيل،وأوضح أن مزاولته هذه الصناعة تأتي تكريساً لما اكتسبه من خبرات متراكمة وللتعبير عن حبّه الكبير لكل مايرتبط بمفردات وعناوين البحر ومنها السفن،بما لهذه الصناعة من قيمة فنيّة إبداعية تراثية.

غياب الجدية

ولدى سؤالنا رئيس اتحاد حرفيي المحافظة جهاد برّو أشار بكل صراحة ووضوح إلى أنّ الحرف التراثية كالصدف البحري ومجسّمات السفن وما شابهها لم تحظَ باهتمام الجهات المعنية ولم تكن هناك أية جدّية في احتضان مثل هذه الصناعات وتشجيعها ودعمها سواء من حيث إيجاد مساحات أو أسواق تكون حاضنة لها وهذا ما أدى إلى عزوف الكثيرين عن مزاولتها.

وبدورها مديرة فرع تنمية المشروعات في اللاذقية كنانة عدرة  أشارت إلى الحيّز الهام الذي يشغله هذا القطاع في برنامج عمل الهيئة من خلال التشجيع على إتقان ومزاولة هذه الحرف وإتاحة المجال لمجموعة من المشروعات التي تعبر عن عراقة وتراث محافظة اللاذقية من المشاركة في المعارض والمهرجانات والملتقيات ومن هذه الحرف الحفر على الزجاج وأعمال كروشيه ومنتجات عسل طبيعي وصابون الغار الطبيعي  ومعرض الأسر الريفية المنتجة ومعرض الزهور في محافظة اللاذقية،ولفتت إلى أنّ الهدف من المشاركة تمكين المشاركين من التلاقي  يجتمعون كلهم تحت مظلة  واحدة يتبادلون الخبرات يعقدون الصفقات وفتح أسواق جديدة وإيجاد وكلاء جدد، والتشبيك ما بين أصحاب المشروعات والاستفادة من الخبرات والفرص التسويقية،بما ينسجم مع برامج عمل متكاملة لخلق فرص عمل وتشغيل ودعم المشروعات الصغيرة والمتوسطة، والتركيز على المهن التي تندرج ضمن احتياجات سوق العمل حيث تتم متابعة المشاركين من مرحلة الإنتاج إلى مرحلة التسويق.

تفتقر للتصنيع

ويؤكد أمين سر نقابة عمال النقل البحري في اللاذقية صبحي بكّو  أن حرفة الصيد البحري تفتقر إلى التصنيع المحلي لأدوات مزاولتها من شباك وسنانير وغيرها مت احتياجات ومستلزمات باتت  تفوق بكثير طاقة المزاولين لها فأسعار المستلزمات ارتفعت وتضاعفت قيمتها  أضعافاً مضاعفة فبعدما كانت الشبكة تباع بنحو  عدة آلاف ليرة، أصبح سعرها أضعاف هذا السعر، ورغم ذلك فإن الصيادين مضطرون للحصول عليها وتأمينها ولو استيراداً لأنّ تصنيعها غير متوفّر محلياً ولاسيما تأمين / شباك – سنانير – زعانف – خيوط النايلون بقياسات مختلفة – أدوات الغوص وغيرها / وتعدّ من أبسط الاحتياجات المفترض توفيرها من خلال منشآت لتصنيعها لأن  الصيد البحري قطاع ملاحي إنتاجي اقتصادي وغذائي يشكل مصدر عيش ودخل لعدد كبير من الصيادين وأسرهم  وكشف بكّو عن مسعى حثيث تعمل عليه النقابة مع الجهات المعنية للتمكن من توريد هذه المستلزمات بشكل دقيق ومنتظم وبأسعار مقبولة دون وجود حلقات وسيطة.

انقراض الحرف

الخبير في التراث المحلي لمدينة اللاذقية  الأكاديمي  قيس محجازي قال: أستحضر من ذاكرتي  بعض الحرف التراثية التي انقرضت أو أوشكت على الانقراض، وأهمها صناعة الزوارق الخشبية، صناعة الكراسي البلدية، شدّ وإصلاح كراسي الخيزران، حياكة الصوف والملابس الصوفية، وصناعة  السجّاد البلدي والبسط، وصناعة وحياكة  الحصر البلدية، والحلويات البلدية والسكاكر   صناعة الصمود البقرية ( خشبية )، صناعة العكل والعباءات، الأزهار هار الصناعية،ألعاب الأطفال المصنوعة من الخشب وصناعة الاواني الزجاجية  المفروشات المنزلية الريفية،العنبر، سرير  الأطفال الخشبي، صندوق الملابس الخشبي، تصليح الساعات اليدوية ( على وشك الانقراض )، الخيّاط الرجّالي ( على وشك الانقراض )

ويرى محازي أنّ الخيارات كثيرة في هذا المجال  ولكن للأسف كلّها تحتاج إلى دعم مادي ومعنوي  إلّا أنّ الظروف لا تسمح بهذا الوقت، مؤكداً أنّ تشجيع مثل هذه الحرف يحتاج إلى سوق خاص ومعارض،وربّما مجرد الطلب من المعنين بدعم هذه الحرف يبدو  غير مناسب لأنّ التكاليف كبيرة برغم أهمية إعادة إحياء ودعم هذه الحرف المرتبطة بذاكرة مدينة اللاذقية.

أقدم الحرف

وإذا ما أخذنا حرفة التطعيم بالصدف البحري،فإن هذه الحرفة المقترنة بتراث اللاذقية والبحر والشاطئ و التي تعتبر أقدم الحرف التراثية البحرية فإنّها هي الأخرى أخذت بالانحسار الذي طوى معه – للأسف –  مشغولات ومصنوعات يدوية شكّلت طيفاً واسعاً من نقوش وزخارف وأدوات وتصاميم اكتست ميزة التجدد بين فترة وأخرى في الإطار التراثي الذي لم تخرج عنه برغم تحديات التقانة التي حملت ما يماثلها شكلاً لكنها لم تجارها جوهراً ومضموناً

و عن حرفة تطعيم الخشب بالصدف البحري يقول أحد مزاولي هذه الحرفة :  إنّها من  أهم وأعرق الصناعات التراثية التي اشتهرت بها محافظة اللاذقية  تاريخيا، فالأعمال المشغولة بالصدف البحري لم تكن تخلو من أي معرض أو مهرجان أو ملتقى تراثي  يتناول الذاكرة التراثية لمحافظة اللاذقية  وقد كان لهذه الحرفة الإبداعية حرفيون روّاد أصبحوا بمرور الزمن شيوخ الكار لها ممن أمضوا عقودا من العمل المبدع فيها لتظهر مصنوعاتهم بطابع متجدد لا يخرج مطلقا عن البعد والمحتوى التراثي الأصيل للحرفة  وللصدف البحري أنواع عديدة وفق ما هو متداول من أهل الكار وشيوخه فهناك صدف الضفر وصدف الكيكون وصدف الشوكو والصدف المضلع ولكل نوع من هذه الأصداف منطقتها الشاطئية التي يتم الحصول عليها من شاطئ اللاذقية أما المجالات التي يتم استخدام الصدف فيها فعديدة وأهمها التزيين والتطعيم الخشبي في تصميم لوحات  خشبية لتزيين الجدران كما يتم استخدامها في الأعمال والتصاميم والتشكيلات التزيينية في المنازل والمعارض،  والمحال والأماكن التي يرتادها الزوّار، ويتساءل عن سبب عدم دعم هذه الحرف التراثية وإهمالها على مرّ الزمن حتى كادت هذه الحرف تتلاشى في ظلّ عدم توفير الدعم لمستلزماتها ومواد تصميمها وتشكيلها علماً أنّها مهن وحرف أسرية اجتماعية متوارثة عبر سنوات طويلة وعقود كثيرة.

تخطيط لسوق مهن

وفي هذا السياق فإنّ الخطوة الأولى باتجاه إعادة إحياء وحفظ وتنمية هذه الحرفية التراثية تكمن في التخطيط لسوق مهن بحرية وصناعات حرفية

لما لها من أهمية تراثية وإسهامها في تنشيط السياحة الشعبية وتوفير الفرص الاستثمارية والتشغيلية من خلال  السوق الحرفية التراثية الشعبية التي لاتزال  تفتقر إليها مدينة اللاذقية، وليس من قبيل المبالغة أن يجمع المزاولون لهذه الحرف على اختلاف اختصاصاتها على حاجة اللاذقية لسوق حرفية تراثية للمهن البحرية كالصيد وغيره كونها مدينة بحرية وشاطئها يستقطب نشاطاً ملاحياً متنوعاً،و إيجاد التوظيف الاستثماري الأمثل لهذه السوق في تجميع الحرف الشعبية التراثية وسوق المهن البحرية.