مجلة البعث الأسبوعية

بين الصحافة والأدب

البعث الأسبوعية- سلوى عباس

أسئلة كثيرة تطرح نفسها حول الأدب والصحافة وأيهما يرفد الآخر؟ هل الأدب يرفد الصحافة، أم الصحافة ترفد الأدب؟ ومَن له قوة التأثير في المتلقي؟ وهل الصحافة تمنح الأدب مشروعية الوصول إلى الآخر؟ أم أنّ الأدب يدعم الصحافة ويجعلها أكثر حضوراً في التلقي؟

هذه الأسئلة تحمل في طياتها إجاباتها، حيث أن الأدب سابق للصحافة بمجالاته  المتعددة، إذ يمكن أن نعدد الكثير من الأسماء الأدبية العربية اللامعة التي أغنت الصحافة العربية وطورتها وجذبت المتلقي إلى ساحاتها، بينما الصحافة هي نتاج حضاري متأخر جاءت بعد الثورة الصناعية في سلسلة إجرائية واضحة حتى وصلت إلى عصر الميديا وثورة الاتصالات، والصحافة الأدبية من الدوريات الصحفية المتخصصة التي اتجهت لتقديم بعض الاتجاهات الأدبية أو الصحفية التي تعتبر بمثابة نوع معين يعتمد على الاهتمام بالقواعد أو المحسنات اللفظية، وبالأخص فيما يتعلق بكافة جوانب اللغة العربية، حيث أظهرت الوقائع أن الأديب هو الأكثر استيعاباً للصحافة والأكثر تمثلاً لها، وفي تقييم للواقع الحالي للصفحات الثقافية واستحضار محطات هامة مرت بها صفحاتنا الثقافية، كإصدار الملاحق الثقافية التي استطاعت أن تحشد متابعين وقراء لها لمتابعة ما يكتبه أدباء ومبدعون أثّروا في هذه الصحافة وفي الواقع الثقافي من خلال المناظرات العديدة التي أثارت حراكاً وجدلاً في الساحة الثقافية، وتحديداً في فترة السبعينيات التي كانت مرحلة مميزة في تاريخ الحياة الثقافية، وهنا يحضرنا السؤال من المسؤول عن غياب كل هذا الحراك والنبض الثقافي؟ لنرى أن غياب النقد الأدبي المتخصص في معظم الصحف المحلية التي تهتم بنقل الخبر أو الكتابة عن رواية أو موضوع ما دون الدخول لعمق الموضوع وتحليله يساهم في إضعاف الصفحة الثقافية، وهذا يعني حاجة الصحافة لمتخصصين يعملون على إضاءة هذه المسائل بتحليلاتهم ومداخلاتهم ليرتقوا بالصفحة الثقافية إلى أن تكون مقروءة على الأقل.

ولعل الجواب عن سؤال عدم جذب الثقافة للقارئ يكمن في غياب السجالات الفكرية الحقيقية التي كانت تحصل بين كتّاب ونقاد كبار في زمن السبعينيات وحتى منتصف التسعينيات على صفحات الجرائد مما يغني الصفحة الثقافية لتفيد القارئ وتجذبه لمتابعها، والفرق بين صحافة تلك الفترة وصحافة الآن أن كل فرد بمقدوره الآن أن يكون أديبا أو صحفياً بحكم تعدد وسائل الاتصال والتعبير التي تتيح له هذا، والفرق كبير بين زمن لامكان فيه للكلمة إلا عبر الجريدة وزمن آخر كل أدواته الالكترونية مكان للكتابة في أي وقت.

وانطلاقاً من أن الصحافة مرآة المجتمع تعبر عن حقيقة كل ما يحصل وفي كل الظروف، فإن الصحافة الثقافية محكومة بمدى جودة الحياة الثقافية فإذا كان المشهد الثقافي ضبابياً ومأزوماً فإنها مرآته، ونحن للأسف ليس لدينا علاقات تؤسس لحراك ثقافي متفاعل وهذا باعتقادي عائد لأسباب مالية وإدارية.

ويمكننا أن نقول بثقة لا تعوزها الدلائل أن عقد الستينيات في القرن الماضي شهد نضجاً ثقافياً قلَّ نظيره حين تبارت الصحافة يومها بالتنافس على الصحف الأدبية والملاحق المتخصصة، ‏لكن الأحوال اليوم اختلفت عما كانت عليه سابقاً، في ظل عالم التكنولوجيا، فضلًا عن التغيرات في الظروف السياسية والأحوال الاجتماعية، كما غابت المجلات الأدبية والفكرية، واحتجبت الكثير من الصحف عن الصدور، وغدت الصحف بلا ملاحق ثقافية وبلا أدب، وأصبحت شبكات التواصل الاجتماعي بديلًا عن الصحيفة والمجلة وحتى الكتاب، وباتت هي المنبر للتعبير عن وجهات النظر والمواقف المختلفة، لذلك ومن أجل عودة الصحافة الأدبية إلى عهد ازدهارها لا بد من فتح حوار دائم بين الأديب والصحفي على مائدة الحلم الثقافي المشترك بإحداث نقلة نوعيَّة تنصف الأدب وتحفظ للصحافة دورها الذي تضطلع به في عصر انفجار المعرفة وفيضان الإعلام.