مجلة البعث الأسبوعية

سلطان الآلات الشرقية.. العود على الخارطة التراثية العالمية

أمينة عباس

يتصدر العودُ اليوم المشهد الثقافي العالمي من خلال إدراجه كعنصر على لائحة التراث الإنساني لليونسكو، ليضاف بذلك إلى التراث الإنساني العالمي عنصر آخر من عناصر التراث الثقافي اللامادي الذي تعتز سورية بعراقته وبديع صنعه، وهو إنجاز يعزز اسمَ سورية وحضورها على الخارطة التراثية العالمية، وقد تحقق بفضل الجهود الجماعية المشتركة ما بين وزارة الثقافة والأمانة السورية للتنمية وأهل الاختصاص من موسيقيين وعازفين ومؤلفين وحرفيين محبين لتراثهم وبجهود مشتركة مع إيران.

 

العود الدمشقي

يُعدّ العود سلطان الآلات الشرقية وعنوان الطرب الأصيل، وهو جزء أساسي من تراثنا الثقافي اللامادي الموروث عن أجدادنا، فسورية كانت مهداً له منذ العصور القديمة، حيث عُثِر على نقوش حجرية في الشمال السوري تعود إلى 5000 عام تمثّل نساء يقمن بالعزف عليه، وقد عُرِف السوريون على مر السنين بإتقانهم لصناعته، حيث يُصنَّف العود الدمشقي من أكثر أنواع العود جودة وشهرة بين الموسيقيين ومحبي الموسيقى العربية، إذ لحّن وعزف عليه أهم الموسيقيين السوريين وأهم عازفي العود أمثال محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، محمد القصبجي، فيلمون وهبي، وديع الصافي.

صُنِعَ بسحر

يُجمِع شيوخ الكار على أن دمشق هي عاصمة صناعة الآلات الموسيقية الشرقية في العالم العربي بلا منازع كالعود والرقّ والدفّالتي يتم تصديرها بكميات كبيرة إلى معظم أنحاء العالم، وأنه لا يوجد منافس عربي للعود الدمشقي حالياً، وسرّتفوّقه على غيره من الأعواد الأخرى في العالم العربي هو أن صوته يصبح أجود كلما ازداد عمره دون أن يتأثر بالعوامل الطبيعية بسبب المهارة والمواد الأولية ذات الجودة العالية التي تدخل في صناعته التي تُعدّ من أعرق الصناعات السورية، وتشير الدراسات إلى أن عبدو النحات الذي كان يقيم في حيّ القيمرية وعائلته من أهم العائلات في العالم التي صنعت العود بدءاً من العام 1880 واستمرت لعقود ولا تزال أعوادُه حتى اليوم تمثل قالب العود الدمشقي ومواصفاته،ويرى شيوخُ كار صناعة العود الدمشقي أن جمالية صوته مرتبطة بعمر الخشب المصنّع منه، ويؤخذ منه سبعة مقامات أساسية: صبا، نهوند، عجم، بيات، سيكا، حجاز، رست، وإذا جُمِعت الأحرف الأولى من كل مقام تتكون لدينا عبارة “صنع بسحر” لذلك كانت معظم البيوت الدمشقية القديمة تقتني هذا السحر، وكان يمثل جزءاً أساسياً من جهاز العروس.

ثقافة حية وغنية

وفي تصريحها للبعث أشارت د.لبانة مشوح وزيرة الثقافة بهذه المناسبة إلى أن التراث السوري تراث حي وغني جداً، ولا بد من المحافظة عليه وصونه، وأن نجاح سورية في إدراج صناعة العود والعزف عليهعلى لاحة التراث الإنساني لليونسكو كان بفضل التعاون بين الأمانة السورية للتنمية ووزارة الثقافة وكل المختصين وعازفي العود وصانعيه، شاكرة الأمانة السورية للتنمية على جهودها الكبيرة في إعداد ملف صناعة العود والعزف عليه ومتابعته لدى الجهات المعنية في منظمة اليونيسكو، موضحة أن هذه الخطوة تتطلب منا الالتزام بالبرامج التي تهدف إلى صونه وحمايته من خلال تأهيل الموسيقيين ودعمهم وتأهيل جيل جديد من الأطفال ليعزفوا على هذه الآلة حفاظاً على هذا التراث من الاندثار، وكذلك دعم صناعتها وإقامة النشاطات المميزة لها عزفاً وصناعة، مؤكدة أن كل ذلك يساهم في تنمية الاقتصاد والمجتمع وتنشيط الحركة الثقافية، والأهم أنه يعزز الانتماء والهوية الثقافية وهي ثقافة حية وغنية تبعث على الفخر والتمسك بها.

دمشق وحلب في المقدمة

وبيَّنت أ.ريم الابراهيم من برنامج التراث الحي في الأمانة السورية للتنمية أن أحدَ ركائز الأمانة الأساسية كمؤسسة غير حكومية مجتمعية صون الهوية التراثية الثقافية، ولأنها إحدى الجهات المعتمدة ضمن اليونسكو استطاعت عبر الخبرة المتراكمة أن تقوم بعملية إعداد وترشيح ملفات من التراث الثقافي الإنساني اللامادي السوري لتكون على قوائم اليونسكو، ونجحت منذ أيام قليلة بالتعاون مع وزارة الثقافة في إدراج صناعة العود والعزف عليه ضمن لائحة التراث الإنساني لليونسكو،وهو من الملفات المشتركة بين سورية وإيران، موضحة الابراهيم أن أي عنصر يُدرَج ضمن قائمة التراث العالمي يجب أن يكون معترفاً به من قبل الجماعات الممارسة له كعنصر تراث ثقافي يعبّر عن هويتهم وانتمائهم والقيم الإنسانية والاجتماعية والثقافية ويكون قادراً على الإبداع وتحقيق التنمية المستدامة وتوفير سبل عيش للممارسين، مبينة أن إعداد ملف العود بدأ عام 2018 بالتعاون مع كافة الجهات الحكومية وغير الحكومية وبتواصل مباشر ومستمر ودوري مع الجانب الإيراني، حيث تم رصدُ وحصر أعداد العازفين على آلة العود وصنّاعه في كلّ المحافظات السورية، وجاءت دمشق وحلب في المقدمة على هذا الصعيد،ثم حماة والسويداء، مع الأخذ بعين الاعتبار عدد النوادي الثقافية والمعاهد الفنية الموسيقية التي تحتضن هذه الآلة والممارسات الإبداعية المرتبطة بها، موجهة الابراهيم الشكر والتقدير للاختصاصيين، فهم برأيها خير من يصون هذا التراث ويحافظ عليه، وقد كانوا خيرَ من استطاع إيصاله إلى منظمة اليونسكو: “نحن فخورون بإنجازاتهم، وسنكون دائماً داعمين لكل الجهود التي تصب في خدمة صون هذا التراث والهوية الثقافية”.

بحاجة لجهات إنتاجية

وكعميد للمعهد العالي للموسيقا أوضح المايسترو عدنان فتح الله بمناسبة إدراج آلة العود على لائحة التراث الإنساني لليونسكو أن المعهد يشجع الطلاب وخريجيه دائماً على تقديم مشاريع يكون فيها العودُ حاضراً بقوة، ورأى أن وزارة الثقافة لم تقصّر في احتضان هذه المشاريع وتقديمها على مسارحها، ومن الضروري وجود جهات إنتاجية تعمل على دعم هذه المشاريع لترى النور عبر cd يحقق لها الانتشار بشكل أبعد من المسارح التي تقدَّم عليها هذه المشاريع عادة لمرة واحدة أو مرتين، مؤكداً أن مشاريع خريجي المعهد أمثال كنان أدناوي ومحمد عثمان وكمال سكيكر على آلة العود كثيرة وجديرة بوجود جهات إنتاجية تدعمها لأن الموسيقيين غير قادرين على فعل ذلك، وهو منهم، مع تأكيد فتح الله على ضرورة تقديمِ الأبحاث والدراسات ووضع منهاج موحّد لتعليم العزف على آلة العود في ظلّ وجودِ تجارب فردية متفرقة على هذا الصعيد، منوهاً إلى أهمية أن يضم هذا المنهاج أعمالاً لموسيقيين سوريين كبار نعتز بهم ولهم دور كبير في آلة العود، مع إشارته كذلك إلى وجود شباب قدموا لآلة العود وما زالوا يثبتون قدرتها ومرونتها في تقديم قوالب وأنماط موسيقية وبفعالية كبيرة، متمنياً فتح الله أن تُبذَل الجهودُ من الجميع لصون آلة العود لأنها جزء مهم من تراثنا الموسيقي.

 

حدث مهم

ورأى عازف العود أ.محمد عثمان رئيس قسم الآلات الشرقية في المعهد العالي للموسيقاومؤسس رباعي العود السوري إن إدراج العود وصناعته على لائحة التراث الإنساني لليونسكو حدث مهم لسورية وإنجاز يشجع عازفي العود على الاستمرار بمسيرتهم والعمل على تطوير صناعته، مؤكداً كعازف على آلة العود أن هذا الإنجاز يعني له الكثير، متمنياً أن تُبذَل الجهودُ لتعزيز وجوده في حياتنا الموسيقية.

تقليد موسيقي سوري

وأكد عازف العود خريج المعهد العالي للموسيقا أ.كنان أدناوي أن آلة العود تقليد موسيقي سوري عريق، وأن سورية تحتضن عدداً كبيراً من الأسماء التي تعزف على هذه الآلة،ومن الضروري تسليط الضوء عليهم والتعريف بهم، متمنياً بعد هذا الإنجاز أن يكون هناك وجود أكثر لهذه الآلة في جميع أنحاء العالم وإمكانية لإنتاج أسطوانات موسيقية لعازفيها لتنتشر موسيقاها في سورية والعالم، وهي طريقة نساهم من خلالها في التعريف بعازفينا وبالأنماط الموسيقية الموجودة في سورية، مبيناً إن إدراج آلة العود حدث مهم لكل سورية، متمنياً أن يساهم ذلك في أن يكون العودُ السوري صناعةً وعزفاً وأساليب منتشراً في جميع أنحاء العالم، وأن يكون حافزاً للتعلم على آلة العود من قبل الناس، معبّراً أدناوي عن سعادته بمشاركته في احتفالية وزارة الثقافة والأمانة السورية للتنمية بإدراج العود على لائحة التراث الإنساني لليونسكو والتي أقيمت في دار الأوبرا، حيث قدّم فيها مقطوعات بعدة أنماط على آلة العود تدرّج فيها ما بين التقليدي والكلاسيكي والارتجالات والقوالب الفنية الأخرى، كما قدم آلة العود بطريقة حديثة تتفاعل مع الآلات الشرقية والغربية الأخرى، وحرص على مشاركة مجموعة من طلابهمن معهد صلحي الوادي في الحفل بالعزف على آلة العود وكانوا من مختلف الأجيال ليؤكد على استمرارية هذه الآلة وأن كل الأجيال في سورية مهتمة بها، وليس هذا بغريب بوجود المعهد العالي للموسيقا ومعهد صلحي الوادي اللذين يؤهلان عازفين أكاديميين مهَرة.