مجلة البعث الأسبوعية

مع كثرة الهواة..هل انتهى دور المصّور الاحترافي؟

نجوى صليبه

لن نتحدّث حول نشأة الصّورة الفوتوغرافية أو تاريخها أومراحل تطوّرها أو أهميّتها في أيّام السّلم والحرب، لكن سنتحدّث عنها كفنّ جاذب بامتياز ليس للجمهور فحسب، بل جاذب كمهنةٍ وهوايةٍ تكاليفها جوّال محمول وبعض الوقت لمتابعة النّشاطات الثّقافية منها وغير الثّقافية، أو السّير راجلاً في شوارع المنطقة التي يسكنها هاوٍ يتمتع بعينٍ دقيقةٍ، وحسٍّ مرهف، واختيار موفّق لتلك التي سينشرها في حساباته على وسائل التّواصل الاجتماعي المختلفة.

محيّ الدّين كاظم، واحد من محبّي التّصوير وهواته، لكنّه على خلاف كثير منهم، لم يمارس هوايتهفي عمر مبكّر، بل مارسها في عمر متأخّر وبروح شابّة يحترمها يقدّرها كلّ من يعرفه، يقول: بدأت قصّتي مع التّصوير مع بداية الحرب على سورية،وفي تلك الفترة كان هناك كثرة بالملتقيات الأدبية، ومن بينها كان هناك ملتقى أسبوعي أتابعه دائماً، وطلب القائمون عليه منّي تصوير نشاطاتهم بسبب تغيّب مصّورهم الخاصّ، وحينها وافقت على خجل وصوّرت بهاتفي المحمول، وتكرر الأمر أكثر من مرّة، فاستسغت الفكرة،وسعيت إلى تقديم شيءمهمّ للبلد، وحاولت إيصال الصّورة الحقيقة إلى أكبر عدد من النّاس، ليروا كيف حوربت بلدنا وكيف حاول البعض تدميرها، إضافةً إلى ذلك قمت بتصوير المناطق الأثرية في دمشق، لأقول للجميع إنّنا على الرّغم من كلّ شيء نحن موجودون ونعمل ونعيش حياتنا اليومية مع كلّ التّناقضات الموجود في تلك الفترة، فكنت في حارة واحدة أصوّر العرس والمأتم معاً، مضيفاً: كنت أتمنّى أن يكون لي بصمتي الخاصّة حتّى لو لم يذكر اسمي، ولا أزال حتّى اليوم أعمل بشكلٍ تطوّعي..بعد تلك الفترة تعرّفت على ملتقيات أخرى وصرت أصّور لهم نشاطاتهم بناءً على طلبهم الخاصّ حيناً، ورغبةً ذاتية منّي حيناً آخر، ثمّانتسبت إلى اتّحاد الكتّاب الفلسطيني، وصرت معتمداًلديهم،وأتابع نشاطات المراكز الثّقافية المختلفة،مبيّناً: لم أخضع لأي دورة أو تدريب، فقط كنت أتابع كيف يعمل المصورون المحترفون ويأخذون الزّوايا المناسبة.. أحبّ الّلقطة الفجائية أو العفوية وغير الجامدة.

لكن، هل هذا يعني أنّ زمن المصوّر الاحترافي قد تراجع؟ يجيب أمين عام فرع سوريا باتّحاد المصوّرين العرب سابقاً،وعضو لجان تحكيم عدّة محلية وعربية المصوّر الصّحفي في صحيفة “تشرين” طارق الحسنية: ازدادت قوّة الهواتف المحمولة في توثيق الواقع، فالكثير من الأحداث التي عاشتها سورية خلال السّنوات الماضية نقلها المحمول وبثّها عبر وسائل التّواصل الاجتماعي،حتّى أنّ أكاديميين ومحاضرين يدرسون صحافة اسمها “صحافة الموبايل” وأهميّتها وسرعتها في نقل الخبر، لكن بالتّأكيد المصوّر الاحترافي لا ينتهي،وهو موجود وسيبقى على الرّغم من كلّ تطوّر دخيل يحاول الحلول مكانه، وما تزال الصّورة بألف كلمة وما تزال الصّورة الاحترافية تحتفظ بقيمتها المهنية والفنية.

بدوره، يتحدّث محمد السّعدوني المصوّر الصّحفي في الوكالة العربية السّورية للأنباء “سانا”: التّصوير فنّ وموهبة ليست موجودة عند أيّ شخص، حتّى من يدرسها أكاديمياً أو يخضع لدورات تعليمية، هناك أشياء يتعلّمها لكنّها لا تصقل الموهبة، ما يصقل الموهبة هو الخبرة.. قد يبدع الهاوي إن امتلك الموهبة وعرف الزّوايا المناسبة لالتقاط الصّورة، لكن هناك أشخاص لا يستطيعون التّمييز بين الصّورة الاحترافية عن غيرها، مضيفاً: وفي المقابل هناك أشخاص يميّزون ويقدّرون الصّورة الاحترافية والنّظيفة والدّقيقة والمتقنة من حيث الألوان والزّوايا التي أُخذت منها، أمّا الهاوي فليس لديه مجال لذلك، من الممكن أنيقدّم صورةً جيّدةً في حال كانت اللقطة فنّية أي غير آنية يزيل عيوبها ببرامج الفوتوشوب والفلاتر، أمّا المحترف ففي أوقات كثيرة يلتقط الصّور ويرسلها مباشرةً للنّشر من دون أيّ عيب فيها.

ويبين السّعدوني: لذلك لا يمكن القول إنّ المصّور الهاوي قد أثّر على وجود المحترف من ناحية فنيّة الصّورة، بل يمكن الحديث قليلاً في الجانب المادي، فالمحترف في عمله أو وظيفته لا يمكنه طلب أجر أعلى يتناسب وجهده، أمّا إن كان لديه عمل خاص آخر، فمن اختبر عمله سابقاً سيستمر بالتّعامل معه، لكن الهاوي قد يطلب أيّ سعر.

لقطات كثيرة تنتشر على وسائل التّواصل الاجتماعي، بعضها لا إنساني، فهل تعدّ كلّ لقطة سبق صحفي؟ يجيب الحسنية: من وجهةنظري كلّ ما يحدث في الشّارع ويراه المارّة، هو ملك للجميع  لأنّه مؤثّر، ونقله حقّ لطالما يحدث في الشّارع، على عكس بعض القوانين التي تحمي أصحاب الصّور، كرجلٍ يتشاجر مع آخر وهذا حدث معي منذ سنوات، وتطوّر الشّجار إلى الضّرب..ألم يؤثّر هذا الحدث في كلّ من شاهده من المارّة؟أليست هذه مهنتنا نقد الواقع ونقل الحقيقة كما هي من دون زيادة أو نقصان؟

يضيف الحسنية: المصوّر إنسان ويتألّم ويكون أكثر إنسانية من الحالة ذاتها، لأنّه يدرك قيمة الصّورة أكثر من صاحبها،ويدرك مدى تأثيرها في الآخرين، أحياناً نلجأ إلى أسلوب الإزعاج البصري لحلّ مشكلةٍ إنسانيةٍ، وهذا حصل وبفضل الصّورة تمّ حل مشكلة إنسانية، طبعاً تقدير هذه الحالة يعود إلى المصوّر الموجود في المكان، أستحضر هنا، حرب فيتنام أوقفتها صورة الطّفلة الهاربة في الشّارع،حينها نقل المصوّر الحقيقة إلى العالم أجمع، وتبنّى علاج الطّفلة وصار صديقها وصديق عائلتها بعدما تزوّجت وكوّنت أسرة،على عكس المصوّر الذي التقط صورة طفل إفريقي وبجانبه نسر ينتظر موته ليأكله.. مات الطفل وأكله النّسر، أمّا المصوّر فلم يتدخّل لإنقاذه، بل شارك بلقطته في مسابقةٍ عالميةٍ وقبض ثمنها باهظاً، ومجّده  العالم كمصوّر وكصاحب لقطة فنية.

وكما يعلم الجميع، فإنّ للتّكنولوجيا مساوئها، ومعها صارت أي صورة عرضة للسّرقة، سواء أكانت لهاوٍ أم احترافي، ويبقى السّؤال كيف نمنع ذلك،وهلحان الوقت لوجود جمعية للمصوّرين أم أن الانتماء إلى اتّحاد الصّحفيين يكفي ويضمن ملكية الصّورة؟ يجيب الحسنية:هناك أشخاص لا يمكن أن نتخيّل أنّهم يسرقون، وهذا حصل معي شخصيّاً، إذ إنّ مدرّباً معتمداً في سورية وهو طبيب ومدير تصوير يمثّل منظمة دولية سرق صورة لي وشارك فيها بمسابقة محلية وفازت بالمركز الثّاني،لكنّي لم أقف مكتوف اليدين بل استعدت حقّي المعنوي أمّا المادّي فلا، لذا أنصح بحماية الصّورة بوجود علامة مخفية في الصّور كشعار أو ترميز لا ينتبه لها لسّارق، أي حماية الصّورة، موضّحاً: في عملنا غالباً ما نستخدم صورة أو اثنتين، وما تبقّى يحفظ في الأرشيف، وعند أي خلاف على أيّ صورة مسروقة، نعود إلى قصّة الصّورة وتاريخها ومكان تصويرها وتسلسلها الرّقمي.

سرقة الصّورة مشكلة تعانيها مهنة التّصوير كما كلّ المجالات الأدبية والفنّية، وهي مشكلة ٌأو صعوبة من صعوبات كثيرة يعانيها المصوّر الصّحفي والهاوي في آن معاً، يوضّح الحسنية: تقنيّاً نحن بحاجة لكاميرات حديثة لم نستطع يوماً توفيرها، أمّا المخاطر فهي في فهم الآخر لعملنا، ولا سيّما في هذه الظّروف،  الجميع “يستقوي” على حامل الكاميرا، مع العلم أنّ هناك برنامج وتطبيقات على الإنترنت تمكننا من دخول أي مكان في العالم، مضيفاً: نتعرّض لمواقف كثيرة وبعضها محزن، كأن يتمّ محو صور يوم عمل كامل بسبب جهل أحد الأشخاص، لكن أحياناً نحتال لالتقاط بعض الصّور، ولعلّ أجمل الصّور تلك التي التقطناها في وقت ومكان غير متوقّعين، لذا على المصّور أن يكون مستعداً دائماً لاقتناص صورة جيّدة تأتي صدفةً ولمرّة واحدة.

بدوره، يختصر محي الدّين كاظم صعوبات الهواية الجميلة بالقول: الصّعوبات مادّية لا غير، ففي أيّام كثيرة أضطر إلى أن أستقل سيّارة أجرة لأصل في الوقت المحدد، مؤكّداً: على الرّغم من الخبرة التي اكتسبتها، أقول إنّي لا أزال هاوياً وأحبّ هوايتي كثيراً، والأمر الجميل أنّي لستُ تابعاً لأحد، ولا أحصل على معاشٍ من أحد، وأتمنّى أن يكون لدي يوماً ما لقطةُ يعرفها العالم كلّه ويخلّدها.