اقتصادصحيفة البعث

سعر الصرف يتجاهل إجراءات “تثبيته”.. خلاف حول تقييد السيولة واتفاق على أن الإنتاج هو الرافعة!

البعث – ريم ربيع

فيما ينشغل الجميع اليوم بأزمة المحروقات التي شلت الحركة والعمل في مختلف القطاعات، يشهد سعر الصرف “الموازي” منذ حوالى أربعة أشهر حالة من عدم الاستقرار على الطرف الآخر دون الإعلان عن أي تحرك، حكومي أو من المصرف المركزي، للتدخل وضبطه في السوق الموازية.

ورغم نجاح المركزي لفترة ما مع نهاية العام الماضي وبداية هذا العام بتثبيت السعر لعدة أشهر عبر سلسلة إجراءات نقدية، إلا أنه لم يتمكن بعدها من ذلك، ما فتح الباب على مئات التساؤلات حول جدوى تلك الإجراءات على المدى الطويل، إذ تتزايد شكاوى المستوردين حول آلية التمويل عبر المنصة، والتي تؤخر الاستيراد واسترجاع رأس المال لأشهر، أو حتى إجراءات التقييد المالي، معتبرين أن الهدف المتمثل بتثبيت سعر الصرف لم يعد محققاً، فلماذا الاستمرار بآلية ليست ناجحة على المدى الطويل؟

سعر التمويل مجهول.!

مشاكل التجار والصناعيين مع منصة التمويل كأداة لتثبيت سعر صرف باتت أول ما يعرض في أي لقاء واجتماع، فبعد الارتياح الذي سجلته الأشهر الأولى، بدأت المشكلات مع نقص موارد القطع والتمويل على أساس الأولويات والتأخر الناجم عن ذلك، وهنا يوضح عضو مجلس إدارة غرفة تجارة دمشق، محمد الحلاق، أن مشكلة المنصة هي بعدم معرفة سعر التمويل، فبعض البضائع تستورَد وتباع ولا يعرف صاحبها بأي قيمة ستمولها له المنصة، إذ يكون “القص” أو التمويل بعد شهرين أو ثلاثة، وغالباً ما يكون سعر الصرف تغير خلال هذه المدة، فمثلاً المنصة استلمت مبالغ بالشهر السابع، وبدأت تمول بالشهر العاشر، ما يسبب فوارق شديدة، ويجعل التاجر غير قادر على تحديد الكلفة.

ويرى الحلاق أن حل مشكلة التمويل تكون بتفكيك ما أوجد من عوائق “عقدة عقدة”، فكما بدأت الفكرة بالتمويل لمنتجات معينة ومن ثم التوسع لجميع المنتجات، يمكن اليوم التخفيف تدريجياً بحيث تصبح بعض المنتجات ممولة من المستورد مباشرة، مضيفاً: اليوم يرد 50 – 60% من المستوردات تهريباً بسبب صعوبة التمويل، فلماذا لا يتم السماح للمستوردين بتمويل هذه المنتجات بلا منصة ما يخفف من عبء التمويل، أو – يتابع الحلاق – أنه يمكن التخفيف عن القطاع الصناعي بالكامل عبر السماح له باستيراد المواد الأولية بدون منصة، لدعم الإنتاج الذي يزيد بدوره فرص العمل والاستثمار، فبالنسبة للصوت الآخر الذي سيقول أن سعر الصرف سيرتفع فالرد بأن دوران عجلة الإنتاج والتصدير هي داعمة للعملة، وحتى لو تأثرنا لمرحلة ما إلا أن الإنتاج وحدة يحقق الاستقرار وانخفاض الأسعار.

من جهة أخرى، وحول تقييد السيولة، يشير الحلاق إلى انقسام الآراء بين من يعتبر أن حجز السيولة يحافظ على سعر القطع، ورأي آخر يقول أنه يضر، لأن الحجز الزائد يخفض دوران رؤوس الأموال، وبالتالي العمل والإنتاج، فمعظم المشكلات الاقتصادية تعالج بالإنتاج أولاً وأخيراً.

ملاذات آمنة

بدورها، توضح وزيرة الاقتصاد سابقاً الدكتورة، لمياء عاصي، أن ارتفاع أسعار الدولار في السوق الموازية يؤكده ارتفاع أسعار كل البضائع والسلع، وأهمها المشتقات البترولية والذهب، مثلاً: في الوقت الذي يشهد سعر النفط تراجعاً إلى أقل من 80 دولاراً للبرميل، نجد أن السعر الرسمي لليتر المحروقات يرتفع  في السوق المحلية، وتحلق أسعاره في السوق السوداء لتبلغ حدوداً عالية متأثرة بالشح في المعروض وازدياد الطلب.

وتضيف عاصي أن التذبذبات الحادة بسعر الصرف حصلت بعد استقرار نسبي دام خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022، بعد ذلك بدأ سعر الصرف بالارتفاع، رافقه ارتفاع بالسعر الرسمي فقد تحرك من 2814 ل.س إلى 3015 ل.س مقابل الدولار الواحد، وذلك لعدة أسباب منها ارتفاع سعر الدولار عالمياً مقابل العملات العالمية الرئيسية، مثل اليورو والجنيه الإسترليني والين الياباني وغيرها نتيجة قرارات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة على الدولار، وأهم الأسباب يكمن بالتوقعات بمواصلة الانكماش في الناتج المحلي الإجمالي لسورية، والذي يعتبر العامل الأهم في تحديد سعر عملة ما، ما جعل أكثر المتعاملين والتجار يلجؤون لملاذات آمنة مثل الدولار أو الذهب أو العقارات، مدفوعين بالخشية من فقدان قيمة أموالهم تدريجياً، ولأن العقارات ليست سهلة التسييل، يفضل الكثيرين اللجوء إلى العملات الأجنبية والذهب كمخزن أمن للقيمة، وهذا يؤدي مباشرة إلى زيادة الطلب عليه.

وتشير عاصي إلى الأرباح الكبيرة التي تجنيها السوق السوداء من الإتجار، خصوصاً بالمشتقات البترولية وتحويل حصيلة ذلك من الليرات السورية إلى عملات أجنبية، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الدولار وبالتالي ارتفاع سعره، مشيرة كذلك إلى تراكم أخطاء السياسة النقدية التي استخدمت الاحتياطي النقدي في أوقات سابقة بما يشكل هدراً غير مفهوم، إضافة للقيود التي فرضتها منذ أكثر من عام وأدت إلى التأثير سلباً على الحركة الاقتصادية والإنتاجية خصوصاً.