اقتصادصحيفة البعث

من يورط وزير الزراعة بأرقام وهمية؟!

علي عبود 

ليس جديداً أن تختلف الإحصائيات الرقمية بين وزارة وأخرى بغياب المكتب المركزي للإحصاء، وفي أعوام سابقة، وتحديداً في تسعينيات القرن الماضي، كانت رئاسة مجلس الوزراء تصدرُ سنوياً تقريراً مفصلاً عن إنجازات الحكومة، يتضمن إحصائيات رقمية تركّز على الإنتاج والتصدير، وكان يمكن الاكتشاف بسهولة أن أرقام الحكومة تزيد أربعة أضعاف عن أرقام المكتب المركزي للإحصاء!

فعلياً، لم يكن هناك أي تناقض، لأن أرقام المكتب اعتمدت آنذاك على سعر صرف الدولار بمبلغ 11.25 ل. س، في حين أن الحكومة، ولكي تُضخّم إنجازاتها الرقمية المتواضعة بمقدار أربعة أضعاف، اعتمدت على سعر الصرف الرسمي الرائج 43 ليرة!!.

مؤخراً وقعنا في شرك أرقام متناقضة حول الكميات المصدّرة من زيت الزيتون خلال العام 2021، فقد أعلن وزير الزراعة أنه لم يتمّ تصدير أكثر من 2000 طن على الرغم من أن سقف التصدير المسموح به هو 5000 طن. وقد اعتمدنا رقم وزير الزراعة في مقالة تناولنا فيها الفائض الوهمي لإنتاج زيت الزيتون، لنكتشف مؤخراً أن الرقم ليس دقيقاً، بل هو مناقض جذرياً لرقم التصدير الفعلي!!.

لقد فوجئنا بتاريخ 7 /12/ 2022 بما صدر عن وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية من أرقام عن تصدير زيت الزيتون، أقل ما يُقال فيها إنها ليست قاتمة، فقد كشفت الوزارة أن الصادرات الفعلية من زيت الزيتون في عام 2020 بلغت 17679 طناً (ركزوا على دقة الرقم) بقيمة تجاوزت 34 مليون يورو، في حين انخفضت الصادرات الفعلية للمادة في عام 2021 إلى 12499 طناً فقط بقيمة تتجاوز 25 مليون يورو.

نعم، لقد فوجئنا بالرقم الفعلي لصادراتنا من زيت الزيتون، والذي لا يقلّ عن ستة أضعاف الرقم الذي أعلنه وزير الزراعة، وهو 2000 طن فقط!

وبما أن وزارة الاقتصاد تعتمد على بيانات تستند إلى إجازات التصدير، فإن السؤال: من ورّط وزير الزراعة بأرقام غير دقيقة، أي وهمية؟!!

وعملية التوريط لا تقتصر على صادرات زيت الزيتون الفعلية، وإنما تشمل أيضاً عمليات الإنتاج الزراعي وخاصة الحبوب، فليس مستحباً أن يروّج وزير الزراعة لإنتاج ما يزيد عن حاجة سورية من القمح على مدار العام لنتعرّض معه إلى مفاجآت غير سارة، بل محبطة، مع انتهاء عمليات التسويق!

ومن المؤسف أن المديريات في وزارة الزراعة تضع الخطط بالتمنيات وليس بالإمكانيات المتاحة، وترفع هذه التمنيات إلى وزير الزراعة، فيتبناها دون مناقشة السيناريو الأسوأ لعدم توفير مستلزمات إنتاجها!!

قد نبرّر لأي مسؤول أن يُخطئ مرة أو اثنتين، أما أن يتكرّر خطأ الأرقام المستند إلى التمنيات لا إلى الإمكانيات، فهذا مؤشر على عدم محاسبة أو مساءلة من يورّط وزير الزراعة بأرقام خلبية أو وهمية لا تستند إلى ما تمرّ به البلاد من صعوبات وعقوبات!

ونقترحُ على وزير الزراعة، أي وزير للزراعة، أن يقتدي بمديري الشركات الصناعية العامة، فهؤلاء لا يضعون خططهم السنوية وفق الطاقات الفعلية لخطوط إنتاجهم، بل يتقصّدون أن تكون الخطط هزيلة جداً مقارنة بطاقات الخطوط، وفي نهاية العام يتباهون بتنفيذ خططهم بنسب تتجاوز أحياناً 150% أو 200%، في حين لا تصل إلى 10% أو 20% من الطاقات الفعلية لخطوط إنتاج شركاتهم!!.

الخلاصة: آن الأوان ليضع وزير الزراعة حداً لمن يورّطه بأرقام وهمية، أي غير قابلة للتنفيذ، وأن يأمر المديريات، والأقسام، والدوائر المختلفة، أن تعتمد حين وضع الخطط على السيناريو الأسوأ لتأمين مستلزمات إنتاجها، وعندها فقط تكون الأرقام واقعية تعتمد على الإمكانيات المتاحة بحدّها الأدنى، لا على الخيال والأوهام، أو.. التمنيات!!.