الغرب يعترف بكذبه علناً
تقرير إخباري:
لا يوجد شيء جديد في تطوّرات موقف الغرب تجاه روسيا، فهو اعتاد الكذب على الدول عموماً، واتسمت اتفاقياته بأنها مؤقتة ولا تضمن السلم الدائم مع من يعدّهم خصوماً أو أعداء له، ففي تسعينيات القرن الماضي عند تفكّك الاتحاد السوفييتي تعهّد الغرب بعدم اقتراب الناتو من أراضي روسيا، لكن ما نراه اليوم هو التمدّد الملحوظ لهذا الحلف على حدودها، وتزايد الاستفزازات لموسكو بالجملة بشكل وصل إلى حدّ تهديد سيادتها، ناهيك عن اتفاقية نزع الأسلحة الباليستية التي انسحبت منها واشنطن دون تنفيذها، كما أنّ الحديث الشفاف للمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل حول اتفاقية “مينسك” بأنها مجرّد منح وقتٍ للنظام الأوكراني ليتجهّز للحرب ضدّ روسيا هو تأكيدٌ قطعي لهذه الحقيقة.
ولحديث ميركل شجون كثيرة، وما زال يثير الكثير من الاستغراب سواء لروسيا أم لبقية المجتمع الدولي، فألمانيا قدّمت نفسها مع فرنسا كضامنٍ للاتفاقية، التي لم يُرَد لها التنفيذ، وهذا يعني العلم اليقيني والنيّات المبيتة لكل من الدولتين مع “الناتو” في التآمر على موسكو وجرّها إلى حربٍ مفتوحة ومباغتة لها “حسب اعتقادهم”.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وصف تصريحات ميركل بأنها أمرٌ محبط ولم يتوقّع أن يسمعه من ألمانيا بالذات، معتبراً هذه المعلومات بمنزلة عامل تقويض لأية مفاوضات مستقبلية، والموقف المبنيّ على تصريحات الدبلوماسيين الروس توجّه باللوم نحو ألمانيا والغرب على استمرارهم بالخداع في تطبيق الاتفاقيات الدولية، وتجاهلهم الهواجس الروسية تجاه النظام الأوكراني التي تحققت على أرض الواقع، وسبّبت ما سبّبته من واقع سيّئ لم يبدأ الآن بل منذ تاريخ الاتفاقية في عام 2014، حيث كان عناصر النازيين الأوكرانيين يتابعون مجازرهم تجاه سكان إقليم دونباس، مع استمرار النظام بتلقي الدعم العسكري الغربي وتسليح نفسه للهجوم على روسيا.
كلام المسؤولة الألمانية لا يشكّل ندماً أو ميلاً لتأكيد صوابية الموقف الروسي، بل هو تجسيد لسير ألمانيا والغرب خلف الإرادة الأمريكية الرامية إلى إضعاف روسيا، فهي تعترف بتمرير اتفاقيات لمجرّد كسب الوقت، وأنّ أوروبا لم تكن لحظة توقيع الاتفاقية قادرة على دعم نظام الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي كما يتم الآن، متجاهلةً كم كان من المفيد تطبيق تلك الاتفاقية سواء لأهالي الإقليم أم حتى لبقية أوكرانيا.
لقد انتظرت روسيا سنواتٍ عديدة في سبيل تحقيق الاتفاقية التي كانت ستضمن لسكان الإقليم الاستقلال الذاتي وسحب الأسلحة الثقيلة وإصلاح الحريات في أوكرانيا لكن أيّاً من ذلك لم يتحقّق، وموسكو لم تُفاجأ وكانت على علمٍ بمخططات كييف العدوانية مع العمل بقوة على نشر “رسوفوبيا” بين السكان تمهيداً لحربها، لكن مع ذلك استفادت موسكو أيضاً من الوقت خلال هذه المدة في اتخاذ إجراءات اقتصادية، وخاصةً في القطاع المصرفي وتعاملات البنوك، وعسكرية للتحضير لصدّ هذا الخطر، حيث أثبت الوقت تواصل الانتصار الميداني والاقتصادي الروسي، ليُكلل بالانتصار الدبلوماسي الساحق لروسيا بعد هذا الاعتراف الصبياني للغرب الذي يقدّم نفسه على أنه يصنع الاتفاقيات وأنه الضامن لتنفيذها، في حين أنه يصبّ النار على جميع الصراعات في العالم، وهذا ما سيغيّر نظرة العالم نحو موسكو التي أرادها الغرب معزولة و”منبوذة”، وأيضاً حول ما يجري من تآمر غربي على ليبيا وسورية وغيرها من الدول.
وخلاصة الحديث حول هذا الميل الغربي تؤكد حقيقةً مأسوية مفادها أنه مهما تمّ من اتفاقيات وتفاهمات مع الجانب الروسي فستكون مؤقتة وفق نيّاتهم وغرضها الأول هو كسب الوقت، وهذا يشير إلى كارثة حقيقية، فلو فرضنا جدلاً أنّ النظام الأوكراني وقّع اتفاقية لإنهاء الحرب فلن يلتزم بها هو وضامنوه، بل سيستغلها لتقوية وتسليح جيشه وجلب المزيد من المرتزقة لإعادة هجومه، وهذا يدفعنا إلى التفكير أيضاً بالصورة الأشمل حول مستقبل اتفاقيات نزع الأسلحة النووية التي لم تنفّذ من أمريكا وأتباعها، ما يعني أننا سنرى أسلحة نووية في بلدان جديدة وفي مقدّمتها فنلندا.
بشار محي الدين المحمد