تحقيقاتصحيفة البعث

ما أكثر المؤتمرات عن البحث العلمي وما أقل الإنتاج الفعلي .. سبعة عشر بحثاً تنظر من يتبناها!

فَرِح كثيراً طلبة الدراسات العليا وهم يستعرضون أبحاثهم في مؤتمرهم الذي عقد منذ أيام في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق للعام الرابع على التوالي، ولكن بذات الوقت اعتصرهم الألم والحزن وهو يرون أتعابهم وما أنفقوه من مال يذهب بلا فائدة نتيجة عدم تبني أبحاثهم رغم ما تطرحه من مواضيع هامة يمكن أن تشكل لبنة أساسية في عملية التنمية انطلاقاً من شعار المؤتمر “مساهمات اقتصادية وتنموية”.

بالأرقام بلغ عدد البحوث المشاركة في المؤتمر سبعة عشر بحثاً ركزت في مضامينها على أربعة محاور هي “الاقتصاد والتنمية، العلوم الإدارية، العلوم المالية والمصرفية والمحاسبة”.

أبحاث قيمة

الباحثة ديمة محمد من جامعة دمشق ناقشت في بحثها الذي حمل عنوان “قياس أثر جودة الخدمة الالكترونية على نية الشراء عبر الانترنت في سورية” أهمية تحسين جودة الخدمة المقدمة عبر الانترنت لكسب ثقة المستهلك وحمايته من عمليات النصب والاحتيال، وطالبت بضرورة وجود بيئة ناظمة ونصوص تشريعية تحمي الخدمات الالكترونية، وبالتالي تشجع من يعمل بها.

أين الإعلام الاقتصادي؟

وقدم الباحث أحمد عرنوس من كلية العلوم السياسية بجامعة دمشق بحثاً بعنوان “دور الإعلام الاقتصادي السوري في مرحلة ما بعد الأزمة” دعا من خلاله إلى الاهتمام بالإعلام الاقتصادي بشكل أكبر خصوصاً في ظل الضغط الإعلامي الكبير والشائعات المزيفة التي تستهدف الاقتصاد السوري والتي سببت ارتباكاً كبيراً للمنتج والمستهلك والمستثمر وحاولت بمجملها النيل من صمود اقتصادنا وضربه بكل الوسائل.

وتساءل الباحث عرنوس: أين الإعلام الاقتصادي من طرح مشاكل الفساد المالي والإداري؟، مطالباً بعقد الندوات والورشات الحوارية على أن يشارك فيها المسؤولين و الإعلاميين بهدف تفعيل دور الإعلام الاقتصادي والوصول إلى حلول لمشكلاتنا في ظل هذه الظروف الصعبة.

أما الباحثة سجى هاشم من جامعة تشرين فأوضحت في بحثها “اختبار نموذج أولسون المعدل بالتدفقات النقدية التشغيلية في سوق دمشق للأوراق المالية” أن أهم مخرج بالنسبة للمحاسبين هو التقرير المالي الذي تنشره الشركات بنهاية كل، مشيرة إلى أهمية قياس جودة التقرير المالي الذي تخرجه الشركات وبناء عليه يتخذ المستثمر قراراه بالاستثمار .

لماذا يهاجرون؟

وعرضت الباحثة ديمة أبو الريش من المعهد العالي لإدارة الأعمال في بحث بعنوان “أثر المواقف المهنية المتقلبة وغير المحدودة في النجاح المهني الشخصي والدور الوسيط للمقدرة على التوظيف والالتزام المهني” مشكلة التسرب الكبير الحاصل في أعداد المهنيين المستقيلين المنتسبين للنقابات المهنية في ضوء الأزمة الاقتصادية بسبب الهجرة خارج القطر، وخرج بحثها بعدة توصيات هامة تساعد في الحد من التسرب الذي بات مقلقاً.

أسباب حدوث الأزمات

وكان لأسباب حدوث الأزمات المالية وغيرها في سورية بعد أكثر من 12 عاماً من الحرب حضوراً في الأبحاث، حيث قدم الباحث أحمد حمد من كلية الاقتصاد بجامعة دمشق بحثاً حمل عنوان “دور رأس المال الفكري في تقييم الأداء المالي للشركات الصناعية” ناقش من خلاله أسباب حدوث الأزمة المالية في العديد من القطاعات أثناء سنوات الحرب، الأمر الذي يتطلب –بحسب الباحث- الاهتمام بمشاكل القطاع الصناعي ورأس المال الفكري لدوره في زيادة الأداء.

ظاهرة التنمر

وقدمت وفاء حسين  طالبة الدكتوراه بالإرشاد الاجتماعي من جامعة دمشق بحثاً بعنوان “مستوى انتشار ظاهرة التنمر الالكتروني بين طلبة الجامعة” ألقت من خلاله الضوء على دور الشباب الجامعي في بناء المجتمع وأهمية الوقوف على مشكلاتهم التي تعرقل مسيرتهم التعليمية ومنها موضوع التنمر الالكتروني وخطورته على المجتمع لسهولة انتشاره وتأثيره على الحياة الجامعية للطلبة والنمو المعرفي والانفعالي لهم، والعوامل المؤدية له وأشكاله، وطرحت الباحثة الشابة عدة حلول لمواجهة هذه الظاهرة ومنها أهمية الوعي بقانون الجرائم الالكترونية التي ترتكب كل يوم.

غير مقبول!

وبالرغم من أهمية البحوث المقدمة سواء هذا العام أو في الأعوام السابقة يلاحظ أن الاهتمام بها لا يتعدى التصفيق للباحثين الشباب، وهذا ما أصاب بعضهم بحالة من الإحباط، وهم يرون نتاجهم الفكري يلقى هذا الإهمال في وقت يمكن أن تحقق أبحاثهم حلولاً لمشكلات عديدة وتساهم في تنمية المجتمع!.

لا يوجد بحث علمي!

هذه اللامبالاة بالبحث العلمي في جامعاتنا فتحت الباب لنبش مشكلات عديدة يعاني منها البحث بدءاً من اختيار موضوع رسالة الماجستير أو الدكتوراه وآلية تقييمها والدرجة التي تحصل عليها الطالب وصولاً لاستثمار البحث، خاص وأن الطلبة السوريين لديهم المقدرة والكفاءة العلمية على تحقيق انجازات علمية جيدة، لكن ينقصهم الدعم المادي الحقيقي لإنجاز وتطبيق أبحاثهم، وهو ما يغيب حتى اليوم، وإن كان موجوداً فهو خجولاً ولا يحقق الغاية من البحث العلمي الحقيقي.

أحد الأساتذة قالها بصراحة “للأسف لا يوجد لدينا بحث علمي حقيقي ومن يعمل فيه مظلوم جداً ولا يأخذ حقه”، فيما قال أستاذ آخر “ما أكثر المؤتمرات عن البحث العلمي وما أقل الإنتاج العملي الفعلي!”.

وبرأي طلبة الدراسات العليا أنهم مظلومون سواء طلبة الماجستير أو الدكتوراه، فهم رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلد أنجزوا أبحاثهم بمستوى جيد، مشيرين إلى عدة صعوبات واجهتهم منها: عدم توفر المراجع العلمية الحديثة والمختصة، بالإضافة إلى عدم توفر البنية التحتية اللازمة لانجاز البحث لجهة تأمين المواد اللازمة للأبحاث العملية والمخبرية، مما يجبر الطالب على شرائها من الأسواق بأسعار غالية تشكل عبئاً ثقيلاً عليه.

بالمختصر، لا قيمة لأي بحث علمي من دون تطبيق، لذا غير مقبول أن تبقى الأبحاث حبيسة الأدراج المغلقة، علماً أن هناك مئات الأبحاث التي قدمت حلولاً لمشكلات باتت مزمنة لكن لم يكترث بها أحد من المعنيين الذين يتغنون بتطور البحث العلمي في جامعاتنا ومراكزنا البحثية!.

غسان فطوم