دراساتصحيفة البعث

لماذا يسعى الغرب إلى إخراج روسيا من مجلس الأمن؟

طلال ياسر الزعبي 

فيما يمكن أن يُوصف بأنه استفزاز أممي متعمّد لروسيا، أقدم نائب الأمين العام للأمم المتحدة، مارتن غريفيث، على زيارة إقليم خيرسون الذي أعلن سكانه عبر استفتاء شعبي انضمامه إلى روسيا، في وقت ينبغي عليه، ضمن الواقع الجديد، أن يطلب الإذن من موسكو حول هذه الزيارة.

وقد وصفت موسكو زيارة غريفيث إلى خيرسون بأنها استفزازية وغير مقبولة، مطالبةً الأمين العام للمنظمة بوضع حدّ لمثل هذه التصرّفات من موظفيها. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، في إفادة صحفية إن “زيارة مارتن غريفيث لخيرسون الروسية والمقاطعة التي صوّت سكانها خلال الاستفتاء للانضمام إلى روسيا وتم قبولهم فيها، تحمل طابع استفزاز متعمّد، وبالتالي فهي غير مقبولة”. وأضافت: “يجب على الأمين العام للأمم المتحدة أن يضع حدّاً لمثل هذه التصرّفات التي يقوم بها موظفوه في المجال الإنساني”، كما أنه يجب عليه أن يطالب موظفيه بالوفاء بالتزاماتهم الخاصة برفع القيود عن تصدير الحبوب والأسمدة الروسية.

ووفقاً للمتحدثة، فإن الأمانة العامة للأمم المتحدة “تبذل قصارى جهدها للتهرّب من التقييم المباشر والنزيه” للوضع في الأزمة الأوكرانية وتصرّفات نظام كييف.

ما يهمّ هو أن زاخاروفا خاطبت الأمين العام للأمم المتحدة بصفته الاعتبارية، أي أن هذا التصرّف يصدر عن الأمم المتحدة التي هي وصية على القانون الدولي وبروتوكولاته، وهذا يعني أن الاستخدام الخاطئ للقوانين الدولية لا ينبغي أن يصدر عن الهيئة الحامية لهذه القوانين.

موسكو لم تقم بمنع ممثل الأمين العام من زيارة الإقليم، لأنها تعلم سلفاً أن مثل هذا العمل يدخل في إطار الاستفزاز، حيث تدرك الأمانة أن مجرّد حديث روسيا عن أن الإقليم أصبح روسياً بحكم سيطرتها العسكرية يكفي لقيام الأمم المتحدة بالاستئذان منها للسماح بزيارته، فكيف إذا كان هذا الإقليم قد انضمّ كغيره من الأقاليم إلى السيادة الروسية بموجب استفتاءات تم تنظيمها بإشراف مراقبين دوليين وأمميين أكدوا نزاهة هذا الاستفتاء وشرعيّته، وخاصة أنه تم تنظيمه وفقاً لما تنصّ عليه مبادئ الأمم المتحدة في ذلك، وهو حق أيّ مجموعة بشرية أن تطالب بتقرير مصيرها عبر استفتاء شعبي.

ولكن الأمر ليس مجرّد استفزاز، بل يخفي وراءه أشياء أخرى كثيرة، حيث إن الغرب يسعى فيما يسعى إليه إلى هدف كبير منذ بداية الاستفزازات لروسيا، وهو شيطنة هذا البلد والقول إنه لا يحترم الأعراف والمواثيق الدولية، وبالتالي فإن أيّ جهد غربي حاليّ يصبّ في خانة واضحة، وهي إجبار روسيا على اتخاذ قرارات تتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة للحصول على مسوّغات مادية لإدانتها دولياً، وبالتالي الوصول إلى الهدف الذي ما برحت الدول الغربية تردّده، وهو إخراج روسيا من مجلس الأمن.

ومثل هذا الموضوع حاوله الغرب مراراً قبل الأزمة الأوكرانية وبعدها، فقد حاولوا سابقاً إدانة روسيا عبر اتفاق مينسك ولكنهم لم يتمكّنوا من ذلك، كما حاولوا ذلك عبر اتهام بيلاروسيا بحادثة طائرة ريان إير الإيرلندية، وكذلك مشكلة اللاجئين على الحدود البولندية البيلاروسية، وصولاً إلى شيطنة روسيا التي هي حليفتها التقليدية عبر اتهامها بالدفاع عن دولة خارجة على القانون، وكذلك فشلوا.

وفي خضم الحرب الدائرة الآن في أوكرانيا مارسوا أعلى درجات الاستفزاز لروسيا عبر النظام الأوكراني، وخاصة فيما يخص الاستهداف الممنهج لمحطة زابوروجيه، وهو ما سمّته موسكو “ابتزازاً نووياً”، وذلك لإجبار روسيا على الردّ نووياً على هذا الاستفزاز والقول: إنها لا تستحقّ أن تشغل مقعداً دائماً في مجلس الأمن لأنها استخدمت السلاح النووي الذي لا ينبغي لدولة ذات عضوية دائمة في المجلس أن تستخدمه، ولأنها وصيّة على تطبيق مبادئ الأمم المتحدة في هذا الشأن.

ومن هنا فإن الجهد المبذول حالياً من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، لشيطنة روسيا عبر مجموعة من المسائل إنما يصبّ في خانة واحدة، هي تشويه صورتها وشيطنتها لتشكيل رأي عام عالمي رافض لسياستها في العالم، والقول إن هذه الدولة التي هي إحدى الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن لا تحترم الشرعية الدولية وتقوم باحتلال أراضي دولة جارة هي أوكرانيا، وتستخدم في حربها الدائرة هناك أسلحة كيميائية، على حدّ زعمها، وذلك بما يتوافق مع الاتهامات الغربية السابقة لموسكو باستخدام هذا الأسلحة في حادثة العميل سيرغي سكريبال، كما أنها لن تتوانى عن استخدام السلاح النووي في الحرب الدائرة هناك، أو حتى ضدّ محيطها، وترفض فيما ترفض إقامة منطقة أمنية حول محطة زابوروجيه الكهروذرّية تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وفي الحقيقة يهدف الابتزاز النووي الذي يمارسه النظام في كييف بإيعاز من مشغّله في البيت الأبيض إلى تدويل موضوع المحطة النووية، وصولاً إلى اتهام روسيا عبر الوكالة ذاتها، بأنها غير أمينة على سلامة المنشآت النووية التي تسيطر عليها، ومن هنا يرفض رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي الإعلان عن الجهة التي تقوم بقصف المحطة بشكل شبه يومي، مع علمه أن مصدر القذائف التي تستهدف المحطة ومحيطها هو الجيش الأوكراني.

وواضح طبعاً أن هناك جهداً غربياً كبيراً في سبيل إدانة روسيا دولياً وشيطنتها، فضلاً عن تعميم مفهوم روسوفوبيا على مساحة العالم، لأن ذلك ربما يكون الممر الوحيد الذي يمكن العبور من خلاله إلى سحب عضويّتها الدائمة من مجلس الأمن، وذلك طبعاً هو المحور العريض الذي يتحدّث عنه الغرب بشكل دائم، لأنه كلّما شعر بفشل مخططاته في استهداف روسيا عبر جميع محاولاته السابقة كان يعمد إلى إعلان رغبته بإخراج روسيا من مجلس الأمن، ولكن دون جدوى، حيث أعلن البيت الأبيض مؤخراً عن عدم وجود إمكانية لإبعاد روسيا من مجلس الأمن الدولي، معرباً عن أسفه بهذا الشأن، ما يؤكد اليأس الغربي عموماً من إمكانية تحقيق هذه الغاية.

أما القول: لماذا يعمد الغرب إلى جميع تلك الحيل، فلأن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لا ترغب ببقاء عنصر معارض في مجلس الأمن لجميع خطط الهيمنة التي يمارسها الغرب على دول العالم، ومن هنا أعلنت كل من الصين وروسيا صراحة أنهما تبحثان عن صناعة عالم جديد متعدّد الأقطاب بعيداً عن هيمنة القطب الواحد الأمريكي، ودعم وصول دول أخرى إلى العضوية الدائمة في مجلس الأمن مثل الهند والبرازيل، وحتى من إفريقيا، لإحداث نوع من التوازن في قرارات المجلس الذي يُراد له أن يكون أداة بيد الغرب فقط، وجاء إعلان مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا أن توسيع مجلس الأمن الدولي ممكن فقط من خلال ضمّ بلدان من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية تحقيقاً لهذه الفكرة.