الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

التعبير.. عن الحرب!

حسن حميد 

ها قد مرّت اثنتا عشرة سنة على هذه الكريهة/ الحرب التي عاشتها بلادنا السورية العزيزة بكلّ الوطنية، وما فيها من معاني الشجاعة، والكرامة، والمحبة، والصبر. وها هي تعبيرات الآداب والفنون تتكاثر وهي تروي ما جرى، وتصف ما حدث، وتتلبّث عند كل نبيل وجوهري طالته آثار هذه الحرب المشينة، وهذه التعبيرات تجلّت في كتب، وأفلام سينمائية، ودراما تلفزيونية، ومسرحيات، ولوحات تشكيلية، ومنحوتات، وأنشطة ثقافية وفكرية وفنية كثيرة ومتعدّدة في أشكالها وصورها وموضوعاتها، وقد غطّت هذه التعبيرات الأدبية والفنية معظم الأحداث التي جرت في جميع أنحاء الجغرافية السورية، لأنّ أذيات الحرب طالتها من دون استثناء! وقد أيّدت الذات السورية هذه الآداب والفنون التي دارت حول مجريات الحرب على سورية وآثارها حين أقبلت على قراءتها ومشاهدتها، والحديث عن أهميتها ودورها في مماشاة ظروف الحرب، وتسجيل الأحداث، ورصد ما جاشت به النفوس من شجاعة وألم في آن.

اليوم لدينا أفلام، ومسلسلات تلفزيونية، ومسرحيات، ولوحات تشكيلية، ومنحوتات، وأغنيات، وقطع موسيقية كثيرة، وهي بحاجة إلى الانتشار إلى خارج حدود الجغرافية السورية، كيما يعرف الأقربون والأبعدون ما حدث، وكيف حدث، وكيف كنّا داخل الحدث ونحن بتمام العافية الوطنية، وما تطلبته من مقدامية وجسارة، وما هو حجم الألم الذي كابدناه، وثقل الظروف البغيضة التي ربخت فوق صدورنا، كما لدينا أيضاً مؤلفات أدبية كثيرة، وفي مختلف أجناس الأدب، نتباهى بها لأنّ كتبت بصيغ فنية عالية المستوى، ورصدت بعيون حساسة بطولات الآباء والأبناء، وفي مختلف المناطق، مثلما كتبت مشاعر الناس وهم يقاومون ويصمدون من جهة، وهم يفقدون ما حرصوا عليه من أجل أن يظلّ الوطن عزيزاً، من البيت، إلى الأبناء والآباء الذين شكّلوا قطارات عبور من الحياة إلى مقابر الشهداء، إلى الحقول والمعامل والثغور.

اليوم بين أيدينا حوالي 200 رواية سورية مكتوبة عن ما حدث خلال سنوات الحرب التي دهمت بيوتنا وأرواحنا، وهي روايات مهمة، في معظمها على الأقل، وقد كتبتها أجيال أدبية عدة، وهي بحاجة إلى الانتشار أيضاً، مثلما هي بحاجة إلى الانتقال من عالم التدوين إلى عالم الصورة والرؤية البصرية، كما أنها بحاجة إلى الانتقال من لغتنا العربية إلى اللغات العالمية، كي يعرف العالم ما حدث حقيقةً في بلادنا، وكيف حافظنا على ترابنا وسيادتنا وشخصيتنا الوطنية، إن هذا أمر حيوي جداً، ومهم جداً، وعلينا أن نبدأ الخطوات الأولى من أجل الانتباه إلى أهمية هذه المؤلفات التي طبعت، أيّ من أجل توزيعها على المدارس، والدوائر الرسمية، وقطاعات الجيش، ومن أجل ترجمتها إلى اللغات الأجنبية، وعلينا جميعاً أن نقوم بهذا الواجب الوطني لأنّ الأدب هو الذي يحفظ بطولات الآباء والأبناء، ولأنّ الأدب خير وسيلة لمعرفة ما جرى.

لقد عرفنا تضحيات الشعب الروسي في عام 1812 حين واجه الروس جيش نابليون بونابرت من خلال رواية (الحرب والسلم) لـ تولستوي، وعرفنا مقاومة الشعب الفرنسي للنازية الألمانية في الحرب العالمية الثانية من رواية (صمت البحر) لـ جان بروليه، وعرفنا معنى التشبت بتراب الوطن من خلال رواية (صخرة الجولان) لـ علي عقلة عرسان، ورواية (الأبتر) لـ ممدوح عدوان بعد خوض حرب تشرين المجيدة.

إنّ رعاية 200 رواية سورية مكتوبة عن الحرب التي فرضت علينا، والاهتمام بها لهو الجهد المتمّم لرسالة الأدب الذي ماشى الخندق الذي دافع عن رايتنا، في تفاصيل التفاصيل، ولعلّ لدينا أيضاً 200 رواية مماثلة لم تصدر بعد، وكلّ هذا الجهد يحتاج إلى تظهير وانتشار، بالطباعة المتجددة، وبالترجمة الأمينة، وبالحسّ الوطني العالي الذي امتاز به أبناء سورية العزيزة، وهذا يحتاج إلى مؤسسة ثقافية مستقلة تعنى بالتعبير الأدبي والفني الذي شغل بالحرب وآثارها!.

Hasanhamid55@yahoo.com