ثقافةصحيفة البعث

حمدي موصللي: تأصيل المسرح العربي مشروع غير مُجدٍ

أمينة عباس

يحتفل المسرحيون في كل عام باليوم العربي للمسرح الذي يصادف ١٠ كانون ثاني.. والمسرح وإن ما زال يعيش أزماته المتلاحقة إلا أن ممثليه ما زالوا يقفون على خشباته ليعاندوا هذه الأزمات ويقفوا في وجه كل التحديات التي تقف أمام تطور هذا الفن الذي ما زال يحبو في بلادنا، وهو ما أكد عليه المسرحي د. حمدي موصللي الباحث والكاتب والمخرج الذي التقيناه في هذا اليوم للحديث عن واقع المسرح عربياً ومحلياً، وعن تجربته الغنية فيه.

في اليوم العربي المسرح.. ماذا تقول للمسرحيين العرب عموماً والسوريين خصوصاً؟

أقول المسرح كائن حي يحب الحياة ويشارك البشرية أفراحها وأحزانها من خلال ما يجسده، فهو يغوص في الواقع وينبش في الماضي ويستحضره دروساً، ويرسم المستقبل، وهو بلا رعاية سيُحتضَر وسرعان ما سيموت.. أهنئ دارسي المسرح ومتابعيه باليوم العربي للمسرح، وأدعوهم للعمل الجاد البعيد عن التنظير، والبحث عن سبل جديدة وأفكار تبشّر بتطور المسرح واستمراره.

بعد مسيرتك المسرحية الغنية.. ما هو التعريف الذي توصلتَ إليه لفنّ المسرح؟

**مع أنه لا يوجد للمسرح تعريف محدد ومتفق عليه إلا أن تعريفي للمسرح والذي أردده وردّده معي العديد من الدارسين هو أن المسرحَ قبل كل شيء كشفُ حياةِ فردٍ وخصائص بيئةٍ وعلاقاتٍ تاريخيةٍ ومصيٍر إنسانيّ، وهذا الكشفُ يحتاجُ إلى رؤيةٍ تتخطى الآنيَّ والمألوفَ والراهنَ اليوميَّ، وترى كلَّ ذلك من منظورِ الصراعِ والتحوّلِ، وتخطي الثابتِ في علاقاتٍ تقومُ أساساً على تفجيرِ الساكنِ وتحويلهِ إلى حياة.

كناقد أكاديمي.. كيف توصّف واقع المسرح العربي عامة والمسرح في سورية بشكل خاص؟

لا بد من التأكيد على أن المسرح السوري جزء لا يتجزأ من المسرح العربي، وهو رائد المسرح العربي منذ أكثر من مئة وسبعين سنة، وفي الحديث عن الحراك المسرحي العربي عموماً والسوري بصورة خاصة من حيث العرض والنصّ أرى أن المسرح السوري كما المسرح العربي مصاب بداء إدارة الظهر للمحيط، وتنفيذ العرض المسرحي من خلال الاستجداء بنصوص مسرحية هي على الغالب مترجمة، وقد تتقاطع مع همومنا، لكنها لا تحمل خصائصها، وهو أيضاً إن اعتمد النص المحلي فالنصوص المحلية التي نراها تقوم على حالات افتراضية قد تلامس الواقع المعاش ولكن لا تخدشه بعمقه وصلب علاقاته، وهذا يعود لأسبابٍ عديدة، أهمها تجنّب التصدي لإشكاليات من الضروري التصدي لها، ومن المؤسف أنه ومنذ البداية أثارت المؤسسات العربية مشكلة النص أو ما بات يُعرف بـ “أزّمة النصّ المسرحي العربي” كتبرير من أجل تسهيل أمر النصّ المترجم الذي اعتمد عليه المسرح العربي في أغلب عروضه، بينما أهمل إلى حدّ كبير النصوص المسرحية العربية، ولعلّ ذلك هو أحد الأسباب الرئيسية التي جعلت من المسرح العربي في أزمة، وأعتقد أن المسرح العربي الرسمي لم يستطع حتى تاريخه أن يؤسس لقاعدة جماهيرية عريضة اللهم باستثناء العروض التي خرج بها عن الخط الأساسي الذي تبناه وسار عليه، حيث اعتمد فيها على مواصفات المسرحيات الأقرب إلى الحالة التجارية بسبب الاستسهال والأسلوب المتواضع الذي طغى على النصوص المعالَجة وعروضها التي خرجت عن الحالة الإبداعية.

إذن.. كيف يمكننا الخروج من أزمات المسرح في عصرنا الحالي؟

**الخروج  من الأزمة يحتاج  إلى تعميق الوعي بضرورة المسرح وأهميته كأحد مصادر الثقافة الأساسية للمجتمع، وهنا لا بد من أن نؤكد على أن شأن الأدب المسرحي والعرض المسرحي في سورية اليوم شأنه في أغلب البلدان العربية على الرغم من تفاوت تجاربها، فهو ظاهرة متأخرة بالنسبة إلى سائر الفنون الأدبية التي قطع بعضُها أشواطاً جيدة في التطور مثل الرواية والقصة القصيرة، وأعتقد إذا لم تجاوز عُقد تأخره فلن ينهض، وهو لم يصل إلى مرحلة الوعي لخصائص نضوجه التي مازال يفتقدها، ولم يؤسس لها أسباب النضوج العلمية التطبيقية والمعرفية الفكرية في ظل مجموعة متغيرات سياسية تاريخية اقتصادية اجتماعية فكرية وفنية.

ما رأيك بمحاولات العديد من المسرحيين العرب من أجل تأصيل المسرح؟ أين أخطأت؟ وأين أصابت؟

**لم يعد الحديث مجدياً اليوم عن التأصيل والهوية، ويجب أن نعترف أن المسرح لم يكن في تراثنا موجوداً، وإرهاصاته بقيت جنينية ولم تتطور لتصبح ظاهرة مسرحية قائمة بحد ذاتها يمكننا الحديث عنها، وحتى في حضارات الشرق القديم وفي خضم عولمة الحضارة العربية الإسلامية في العالم لم نستطع إيجاد مقارب للمسرح في أديباتنا، فلماذا ضياع الوقت بالحديث عن أصالة واهية مرتكزة في انبعاثها على التراث؟

بدأتَ قاصاً وشاعراً ثم اتجهتَ إلى الكتابة المسرحية، فما أسباب هذا التحول؟ وما الذي استهواك في الإخراج المسرحي فيما بعد؟

كان البحث هاجسي، فجربتُ الرسم وكتابة الشعر والقصة والمقالة، ومع هذا البحث الدائب كان هناك بحث آخر مواز مع المسرح كهاوٍ مع فرقة المركز الثقافي بالرقّة وفرقة المسرح المدرسي والجامعي كممثل ومؤلف ومخرج، فكانت مسرحياتي الأولى: “بانوراما المشاكل” ومسرحية مشتركة تأليفاً “ماري القرن العشرين” مع الراحل الشاعر تميم صائب، ثم تتالت بعد ذلك مسرحياتي، ومن هنا لا أنسى تجربتي الأولى التي واجهتْ هجوماً كبيراً في نهاية السبعينيات من القرن المنصرم على صعيد التأليف والإخراج المسرحي، وأخصّ بالذكر مسرحية “الخريف يغزو الشمال” إلا أنني مضيتُ في الكتابة، فالحماس برأيي هو الذي يدفع الكاتب غير المجرب بصورة تدريجية إلى أن يتمكن من حرفته، وهذا الرأي ينطبق على أحسن من أخرج ومن كتب.

كتبتَ نصوصاً مسرحية للكبار والصغار.. فما هو القاسم المشترك بينهما؟

الكتابة للطفل هي الفن الممكن، لكنه صعب جداً، وهو فن شرطيّ مركّب وله أسسه الخاصة به، والمبدعً في كتابة أدب الطفل يحتاج إلى فهمٍ يقوم أساساً على تفهم البنية الحيوية للطفل وفهم متطلبات واحتياجات هذه البنية الحيوية وآلية العمل معها من خلال  إثرائها وإشباعها وايجاد مساحة من التهيؤ أو التخيل لدى الطفل الذي يتلقى هذه المتطلبات السمعية أو البصرية، وقد كتبتُ سلسلة مسرح الناشئة الجزء الأول من المسرح التعليمي الموجه للمرحلة العمرية الثانية والثالثة وصدر عام ٢٠٠٣ في أربع مسرحيات، أما الجزء الثاني من هذه السلسلة فصدر عام ٢٠٢٢ (مسرحيتان) وخلال هذه السنة من المقرر أن يصدر الجزء الثالث ويضم أربع مسرحيات، أما في مسرح الكبار فبالإضافة لما قدمتُه بدأتُ أكتب نصاً تجريبياً بصرياً نشرتُ بعضه على الفيسبوك ولاقى نجاحاً وتشجيعاً، وهو نص عابر للأجناس من قصة ونثر وشعر ومسرح، وهي محاولة للابتعاد عن آلية النص التابع وأرجو أن تنجح التجربة، كما لديّ مخطوطات مسرحية عديدة أرجو أن ترى النور.. وفي الأبحاث صدر كتابي “الوجيز في تاريخ المسرح العالمي” عن الهيئة العربية للمسرح ويتحدث عن المسرح العالمي خلال ٣٥٠٠ سنة مضت من عمر المسرح، ولأول مرة يدخل المسرح العربي على الخريطة المسرحية العالمية من خلال هذا الكتاب، كما سيصدر لي قريباً كتاب بعنوان “الاغتيال السياسي والمأساة-أنموذجاً المسرح العربي المعاصر”.

ما بين الكتابة المسرحية والاخراج.. لمن تميل أكثر اليوم؟

لو كنت في غير هذا المكان لكان الرأي يميل للإخراج وخاصة أنني اكتب واخرج اغلب مسرحياتي، والسبب الاحتكاك مع الغرب المسرحي الاكثر تطوراً وتمدّناً وتطوراً على صعيد التقنيات ومحاولات التجريب والتطبيق فهذه الأمور كلها تمد المخرج ليكون مبدعاً متميزاً أما بظروف بلدنا والتنظير السطحي والعلاقات التي تقوم بأساسها على التخلف في فهم العملية الإبداعية، والابتعاد عن فهم عمق مايراد من العمل الابداعي يبدو أن الأمر صعباً.

د.حمدي موصللي

قام التنظيم الإرهابي داعش الذي احتل مدينة الرقّة قبل العام 2017 بحرق مكتبته التي تتضمن أكثر من ستة آلاف كتاب فضلاً عن بيته، وهو أحد مؤسسي مهرجان الرقة المسرحي، ومقرر جمعية المسرح في اتحاد الكتاب العرب لسنوات طويلة، وكُرّم من قبل وزارة الثقافة والجامعة العربية ووزارة الثقافة المصرية عام 1993 بمناسبة فوزه بجائزة الإبداع العربي المخصصة للمسرح، وأصدر العديد من الكتب والبحوث والدراسات في النقد المسرحي.