مجلة البعث الأسبوعية

السلاح الذي تشهره الولايات المتحدة سيرتد عليها

البعث الأسبوعية- ريا خوري

“لم تكن الحرب الدائرة في أوكرانيا قد أشعل فتيلها في شهر آذار من العام الماضي، بل كانت بدايةً للحرب السرية التي بدأت منذ ثلاثة أعوام مضت قبل بدء العمليات العسكرية الخاصة الروسية” .

هذه المعلومات أدلى بها القائد العام لقوات الاستطلاع البحرية الأمريكية الثالثة جيمس بيرمان التي كانت تعمل بشكلٍ سري في منطقة شرق آسيا. وبحسب هذه المعلومات، فقد عملت الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية عام 2014 على تهيئة الأوضاع العسكرية، والأمنية، والاقتصادية في أوكرانيا لخوض حرب طاحنة ضد جمهورية روسيا الاتحادية، وذلك بطريقة عملية اتصفت بأنها عملية جادّة، وهذا يعني أن إعطاء الولايات المتحدة الأمريكية الضوء الأخضر لكل من جمهورية ألمانيا الاتحادية، واليابان لزيادة تسلّح جيشيهما تسليحاً استراتيجياً، وبناء ترسانة ضخمة من الأسلحة النوعية، مؤشّر على أن الحرب الكبرى كانت تسير وفق مخططات مدروسة نحو مواجهة عالميّة.

لقد أكّد عدد كبير من قادة الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى رأسهم جيمس بيرمان أنّ الولايات المتحدة قد حققت نجاحات كبيرة في أوكرانيا لدفعها في مواجهة روسيا، وتحديداً في الفترة بين عامي 2014 و 201،  حيث جرى الاستعداد للصراع الساخن في المستقبل بجدية كبيرة، حيث كان الاستعداد يشمل عمليات تدريب الأوكرانيين على الهجوم، وتخريب البنى التحتية الروسية، وضرب العمق الروسي بطرق وأدوات تؤدي لإعاقة تقدمه وتطوره، فكان من تلك الاستعدادات قيام الأوكرانيين بالتخزين المسبق للإمدادات، وتحديد المواقع الجيواستراتيجية التي يمكن للغرب الأوروبي الأمريكي من خلالها تقديم الدعم، واستدامة أمد العمليات بهدف استنزاف طاقات روسيا العسكرية والاقتصادية.

وكان جيمس بيرمان قد أطلق على هذه العملية تسمية “إعداد المسرح”، وكان من ضمن اللاعبين على المسرح اليابان والفلبين، وقد اكتشفت الجهات المختصة في روسيا جميع تلك الاستعدادات وتلك المؤامرة الكبرى عليها فرصدت كل التحركات التي كانت تجري في القارة الآسيوية وتحديداً في اليابان والفلبين، حيث كانت الولايات المتحدة الأمريكية تكثف من قدرات تلك الدول الدفاعية في مواجهة الصعود الصيني المتسارع.

من يتابع تفاصيل الفعاليات السياسية في اليابان، يجد أنها قامت بتعديل دستورها الذي حمل صفة الدستور المرعب، حسب ما أعلنته وثيقة السياسة الدفاعية اليابانية الجديدة، حيث أدخلت حكومة اليابان تعديلات كبيرة جداً على الدستور تتضمن تعديل سياساتها الدفاعية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945، كما صادقت الحكومة على وثيقة السياسة الدفاعية الجديدة وأقرتها.

هذه الوثيقة تعتبر جمهورية روسيا الاتحادية، وجمهورية الصين الشعبية تحدياً استراتيجياً لها، ومصدر قلق للأمن القومي الياباني. وعلى هذا الأساس قررت القيادة اليابانية في إطار مراجعة لسياستها الدفاعية منذ عقود طويلة، مضاعفة ميزانيتها الدفاعية السنوية بمليارات الدولارات، وتوحيد قيادتها العسكرية، وزيادة مدى صواريخها البالستية متوسطة وطويلة المدى. وهذه العملية تعدّ نقلةً سريعة شديدة الخطورة في شرق آسيا، ذلك أن اليابان، لا يسمح دستورها السلمي الذي كتبه الولايات المتحدة الأمريكية المحتلة بعد هزيمة البلاد في نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 ودخل حيز التنفيذ في عام  1947 ، لليابان بالحصول على جيش  مستقل في حد ذاته.

عند إطلاقها للإستراتيجية العسكرية الجديدة، أعلنت القيادة اليابانية أنه بحلول السنة المالية عام 2027 ستنفق نحو إثنان بالمائة من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع، بعد أن كان نحو واحد بالمائة فقط بناء على الناتج المحلي الإجمالي الحالي في اليابان، ومن شأن ذلك أن يرفع  مستوى الإنفاق السنوي إلى ما يعادل نحو ثمانين مليار دولار أمريكي، ما يضع اليابان في المرتبة الثالثة في العالم بعد الولايات المتحدة  الأمريكية وجمهورية الصين الشعبية .

أما جمهورية ألمانيا الاتحادية التي بقيت على الحياد مدة طويلة، ونأت بنفسها عن المشاركة في حروب كبرى عالمية، ولم تتدخل إلا بعد أن تسمح لها الولايات المتحدة الأمريكية مثلما حدث في حرب أفغانستان المدمرة، فإنها شرعت في زيادة قدرات جيشها التسليحية واللوجستية، ففي شهر حزيران الماضي وافق البرلمان الألماني “البوندستاغ” على خطّة اعتبرها المراقبون  والخبراء الاستراتيجيون تحولاً استراتيجياً كبيراً، وذلك بعد أن صوّت خمسمائة وسبع وستون نائباُ بالموافقة على إدراج فقرة جديدة في الدستور الألماني. وتنص المادة الجديدة على أنه يمكن الحصول على قروض تصل إلى مئة مليار يورو، أي نحو مائة وسبع مليارات دولار أمريكي لصالح الجيش الألماني دون الالتزام بكبح الديون، أو إيقاف مشروعها الضخم.

وفي 31 من شهر أيار الماضي، قال المستشار الألماني أولاف شولتس في تصريح صحفي، إن بلاده ستتمكن من امتلاك أكبر جيش قريباً، وهو جيش نظامي يتبع لدول حلف شمال الأطلسي (الناتو) في أوروبا، وأن هذا  الجيش القوي سيعزز بشكل كبير أمن ألمانيا الاستراتيجي وحلفائها. وقد تم بالفعل البدء في بعض مشاريع التسلح وبناء المصانع العسكرية وتجهيز القواعد، حيث يرى المستشار أولاف شولتس أن الدور الحاسم لجمهورية ألمانيا الاتحادية يتمثل الآن في تعزيز مكانتها الدولية كواحدة من كبار مزودي الأمن الرئيسيين في القارة الأوروبية .

القراءة السياسية لخطوات كل من اليابان وألمانيا تؤكد أنها خطوة خطيرة جداً، ومؤشر واضح وصريح على أنّ الحرب الساخنة في أوكرانيا قد تمتد نيرانها إلى شرق آسيا، وحتى القارة الأوروبية، وإلى مناطق نائية أخرى من العالم، وهو ما ينفي إمكانية إنهاء الحرب الأوكرانية في عام  2023، فتصريحات قائد القوات الأمريكية جيمس بيرمان دليل  قوي على أن إعادة تسليح اليابان، وتضمين عقيدته العسكرية الجديدة  مفاهيم وأفكار جديدة بأن جمهورية الصين الشعبية هي تهديد استراتيجي لليابان، هو توريط  حقيقي لليابان في حرب  ساخنة مستقبلية مع دول الجوار وفي مقدمتها الصين.  كما أن إعادة تسليح جمهورية ألمانيا الاتحادية بجيش قوي وبشكل إستراتيجي تمثّل حدثاً فارقاً وتحولاً جوهرياً في السياسة الألمانية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945 .

إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية تريد إعادة استنساخ النموذج الأوكراني بالاستعداد مبكراً لحرب ساخنة قادمة، فعليها التفكير جيداً في أن الجبهة المضادة أي روسيا والصين ومعهما دول البريكس صارت أقوى، وأن السلاح الذي تشهره اليوم وهو عسكرة اليابان وألمانيا يمكن أن يرتد عليها، والأيام القادمة ستشهد على ذلك .